للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مظفّر فى درعه ضيغم ... عليه تاج الملك معقود

وصارم الإسلام لا ينثنى ... إلا وشلو الكفر مقدود (١)

ويدور العام ويحشد صاحب أنطاكية وحملة الصليب حشودهم عند حصن «إنّب» ولقيهم نور الدين فمحقهم محقا. وقتل فى المعركة صاحب أنطاكية البرنس العاتى، ولم يفلت من القتل إلا من خبّر أهل أنطاكية من قومه بالاندحار والدمار. وجلجل ابن القيسرانى بصوته منشدا نور الدين على جسر الحديد الفاصل بين عمل حلب وعمل أنطاكية قصيدة رائعة استهلها بقوله:

هذى العزائم لا ما تدّعى القضب ... وذى المكارم لا ما قالت الكتب (٢)

أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة ... فؤاد روميّة الكبرى لها يجب (٣)

غضبت للدين حتى لم يفتك رضا ... وكان دين الهدى مرضاته الغضب

من كان يغزو بلاد الشّرك مكتسبا ... من الملوك فنور الدين محتسب (٤)

فانهض إلى المسجد الأقصى بذى لجب ... يوليك أقصى المنى فالقدس مرتقب (٥)

ولابن القيسرانى مدائح أخرى لنور الدين يردد فيها مجده وانتصاره الحربيين ضد حملة الصليب وما يأمله على يديه من رد بيت المقدس والساحل الشامى على أصحابهما المسلمين. ودائما يحوطه بهالة إسلامية هو جدير بها، فقد كان يحارب فى سبيل الله لا يبتغى مغنما، إنما يبتغى ما عند الله من الأجر والثواب، حتى ليقول له ابن القيسرانى فى نفس هذه القصيدة السالفة.

إلا تكن أحد الأبدال فى فلك ال‍ ... تّقوى فلا نتمارى أنك القطب

وكأنه يعده قطب تقوى وإنقاذ للشام وأهل الشام. ولم يعش ابن القيسرانى حتى يمجد بقية انتصاراته المجيدة على الصليبيين، إذ توفى قبله بنحو عشرين عاما سنة ٥٤٨. وله مدائح فى بنى منقذ وفى مجير الدين آبق صاحب دمشق. ويقول العماد إنه كان له معرفة بالمنطق وعلوم الأوائل وإنه كان يتصنع للجناس أحيانا غير أن ذلك قليل فى شعره، فقد كان يطلب فيه النصاعة والسلاسة على غرار أستاذه ابن الخياط فهو تلميذه وخريجه وراوى ديوانه.


(١) الشلو: العضو وبقية الشئ. مقدود: مشقوق
(٢) القضب جمع قضيب: السيف القاطع
(٣) راجفة: نفخة مميتة: يجب: يخفق
(٤) محتسب: يحتسب أجره على الله
(٥) ذو لجب: الجيش. اللجب: الصياح والجلبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>