للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حذار منا وأنّى ينفع الحذر ... وهى الصوارم لا تبقى ولا تذر

وأين ينجو ملوك الشّرك من ملك ... من خيله النصر بل من جنده القدر

ثم يكون نصر عماد الدين العظيم باستيلائه على الرّها من يدجوسلين ومحو عار هذه المملكة أو الدولة التى أقامها الصليبيون شمالى العراق آملين فى الانحدار منها إلى الجنوب، وإذا عماد الدين يستولى عليها بجيوشه وبطولته الخارقة سنة ٥٣٩ وتكون لذلك رنة فرح عظيم فى نفس ابن القيسرانى ونفوس المسلمين وينشد:

سمت قبلة الإسلام فخرا بطوله ... ولم يك يسمو الدين لولا عماده (١)

مصيب سهام الرأى لو أن عزمه ... رمى سدّ ذى القرنين أصمى سداده (٢)

فقل لملوك الكفر تسلم بعدها ... ممالكها إن البلاد بلاده

ونرى ابن القيسرانى-بعد هذا الفتح المبين-بنحو عام يزور أنطاكية، ويقول العماد إنه زارها لحاجة عرضت له، ولا ندرى هل كانت حاجة سياسية لأمير أو كانت حاجة شخصية، ويغلب على ظننا أنها كانت حاجة سياسية، والمهم أنه شبّب بإفرنجيات وبراهبات وتمادى فى هذا التشبيب، وسنذكر طرفا منه فى حديثنا عن شعراء الغزل. وعاد من رحلته إلى عماد الدين ووزيره جمال الدين بن أبى منصور، وله فيه مدائح بديعة.

وتطورت الأمور سريعا فقتل عماد الدين بيد آثمة، كما أسلفنا وحمل لواء الجهاد بعده الملك العادل نور الدين، وتغرّ جوسلين الأمانى ووقوف الأومن معه، فيعود إلى الرها، ويخرجها منه نور الدين منكّلا بالأومن، ويهنئ ابن القيسرانى الوزير ابن أبى منصور بهذا الانتصار قائلا:

ليهنك ما أفرج النصر عنه ... وما ناله الملك العادل

وإن يك فتح الرّها لجّة ... فساحلها القدس والساحل

وحقا عظم الأمل فى نور الدين أن يسترد للمسلمين القدس والمسجد الأقصى بل الساحل الشامى جميعه. ويحشد حملة الصليب فى سنة ٥٤٣ جيشا كثيفا لهم فى بقعة تسمى «يغرى» ويسحق نور الدين محمود الجيش سحقا ذريعا، وينشد ابن القيسرانى:


(١) بطوله: بفضله
(٢) أصمى: أصاب

<<  <  ج: ص:  >  >>