للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرات فزحف إليهم من الشام بجيش جرار وخاض إليهم الفرات وفتك بجموعهم وكاد أن لا يبقى باقية منهم. وعاد الملك الظاهر إلى دمشق مؤزرا منصورا، وأنشده الشهاب قصيدة طنانة يقول فيها:

سر حيث شئت لك المهيمن جار ... واحكم فطوع مرادك الأقدار

خضت الفرات بسابح أقصى منى ... هوج الصّبا من نعله آثار

حملتك أمواج الفرات ومن رأى ... بحرا سواك تقلّه الأنهار (١)

رشّت دماؤهم الصعيد فلم يطر ... منهم على الجيش السعيد غبار

ولم يلبث التتار أن حشدوا جموعا لهم سنة ٦٧٥ وأيدتهم جموع من عسكر الروم، وتعاقدوا على منازلة بيبرس، وعلم بتلك الجموع فباغتها محيطا بها من كل جانب، وقاتلت قتال الموت ولم يغن ذلك عنها شيئا، إذ كان يقتحم مع جنوده البواسل الأهوال كالأسد الضارية إلى أن انكسر التتار والروم وفروا معتصمين بجبال وراءهم، وأحاطت بهم العساكر المصرية وقتلت منهم مقتلة عظيمة وفى ذلك يقول الشهاب محمود:

كذا فلتكن فى الله تمضى العزائم ... وإلا فلا تجفو الجفون الصوارم (٢)

بجيش تظل الأرض منه كأنها ... على سعة الأرجاء فى الضيق خاتم

يحيط بمنصور اللواء مظفّر ... له النصر والتأييد عبد وخادم

مليك به للدين فى كل ساعة ... بشائر للكفار منها مآتم

مليك لأبكار الأقاليم نحوه ... حنين كذا تهوى الكرام المكارم

وسنذكر فى جزء مصر أن الظاهر بيبرس استولى على كثير من بلدان حملة الصليب وحصونهم مثل قيسارية وصفد والرملة ويافا وأنطاكية مزيلا منها مملكتهم، ولم يدوّن ابن تغرى بردى شيئا من شعر الشهاب محمود فى هذه الفتوح الضخمة. ويسير السلطان قلاوون سيرة الظاهر فى منازلة الصليبيين، ويستولى على طرابلس مملكتهم الثالثة التى أسسوها بعد مملكة بيت المقدس، وبذلك تكون جميع ممالكهم التى شادوها سقطت من قواعدها ولم يبق فى أيديهم إلا عكا وصور وصيداء


(١) تقله: تحمله
(٢) جفن السيف: غمده. الصوارم جمع صارم: السيف القاطع

<<  <  ج: ص:  >  >>