للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبيروت وبعض حصون قليلة، ولم يلبث قلاوون أن استولى منهم على حصن المرقب، ومجّد فتوحه الشهاب محمود قائلا.

الله أكبر هذا النّصر والظّفر ... هذا هو الفتح لا ما تزعم السّير

هذا الذى كانت الآمال إن طمحت ... إلى الكواكب ترجوه وتنتظر

فانهض وسر واملك الدنيا فقد نحلت ... شوقا منابرها وارتاحت السّرر (١)

إن لم يوفّ الورى بالشكر ما فتحت ... يداك فالله والأملاك قد شكروا

وخلف قلاوون ابنه «السلطان الأشرف خليل»، وكان بطلا شجاعا مقداما وكان مخوف السطوة قوى البطش، وبمجرد أن استهلت سنة ٦٩٠ بعد جلوسه على عرش السلطنة بقليل تأهب لحصار عكا، فجمع الصناع لعمل آلات الحصار وخرج بعساكره من الديار المصرية حتى أحاط بعكا فى شهر ربيع الآخر، وكان المتطوعون أكثر من الجند ونصب عليها المجانيق، ولم يلبث أن زحف عليها بجيشه الجرار ودخلها بعد قتال عنيف. وطلب حملة الصليب البحر المتوسط فتبعتهم الجنود الإسلامية تقتل وتأسر فلم ينج منهم إلا القليل. وعصى الداويّة والإستاريّة فى أول الأمر معتصمين بأبراج عالية، غير أنهم اضطروا إلى التسليم، ومن غريب الصدف أنّ فتحها تم فى السابع عشر من جمادى الأولى سنة ٦٩٠ بالساعة الثالثة من النهار فى نفس الموعد الذى كانت قد سقطت فيه بيد حملة الصليب سنة ٥٨٩. وفى هذا الفتح المبين ينشد الشهاب محمود قصيدة بديعة مهنئا «الأشرف خليل» مفتتحها لها بقوله:

الحمد لله ذلّت دولة الصّلب ... وعزّ بالترك دين المصطفى العربى

هذا الذى كانت الآمال لو طلبت ... رؤياه فى النوم لاستحيت من الطلب

ما يعد عكّا وقد هدّت قواعدها ... فى البحر للشرك عند البرّ من أرب (٢)

لم يبق من بعدها للكفر مذ خربت ... فى البحر والبر ما ينجى سوى الهرب

يا يوم عكا لقد أنسيت ما سبقت ... به الفتوح وما قد خطّ فى الكتب

بشراك يا ملك الدنيا لقد شرفت ... بك الممالك واستعلت على الرّتب

وتفتح أبوابها مدينة صور لجند السلطان ويسلمها إليهم حملة الصليب وتليها مدينة صيداء


(١) السرر: جمع سرير: العرش
(٢) أرب: مطلب وأمنية

<<  <  ج: ص:  >  >>