للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى الغلو غلوّا شديدا، بل المسرف فى الانحراف عن الإسلام انحرافا مفرطا. وقد استعرضنا فى مقالنا عن التفكير الفلسفى فى شعر أبى العلاء بكتابنا «فصول فى الشعر ونقده» الأشعار التى قالوا إنه هاجم بها الديانات ووصموه من أجلها بالإلحاد وأثبتنا أن بينها منحولا كثيرا انتحله عليه خصومه. ويبدو أن أيادى شريرة امتدت إلى اللزوميات قديما وأدخلت عليها فسادا غير قليل، يدل على ذلك دلالة قاطعة أننا نقرأ فيها:

قد ترامت إلى الفساد البرايا ... واستوت فى الضلالة الأديان

والبيت على هذا النحو يلصق تهمة الالحاد بأبى العلاء، إذ ينسب الضلالة إلى جميع الأديان، غير أننا إذا رجعنا إلى كتاب شرح المختار من لزوميات أبى العلاء لابن السيد البطليوسى المتوفى سنة ٥٢١ بعد أبى العلاء بسبعين عاما وجدناه ينشده على هذا النمط.

قد ترامت إلى الفساد البرايا ... ونهتنا-لو ننتهى-الأديان

ورواية البطليوسى للبيت أوثق من رواية اللزوميات المطبوعة لأنها أقدم من مخطوطاتها التى اعتمدت عليها وأيضا من النسخ الخطية المحفوظة فى دار الكتب المصرية، مما يدل بوضوح على أن تحريفات (١) مقصودة لبعض ذوى الأهواء الملحدين أدخلت على اللزميات من قديم. ومن المؤكد أنه أضيفت إليه بعض أشعار الزنادقة (٢) مثل ابن الراوندى. وقرأ بعض المعاصرين عنده أبياتا ظنوا منها أنه يؤمن بقدم المادة والزمان والكواكب وخلودها مخالفا بذلك رأى المتكلمين المسلمين فى حدوثها جميعا وأنها ليست قديمة فلا قديم سوى الله، وهى فى واقع الأمر أبيات شبّهت عليهم من مثل قوله:

أرى زمنا تقادم غير فان ... فسبحان المهيمن ذى الكمال

وقوله:

يا شهب إنك فى السماء قديمة ... وأشرت للحكماء كلّ مشار


(١) أشار د. حامد عبد المجيد محقق شرح البطليوسى فى مقدمته إلى أن المحتار فيه من اللزوميات يصحح بعض ما حرّف من شعر أبى العلاء ووضع عليه واستشهد على ذلك بالبيت المذكور.
(٢) انظر «أبو العلاء المعرى» للدكتورة عائشة عبد الرحمن ص ٢٣٤ وراجع معاهد التنصيص (طبعة بولاق) ص ٧١ وقارن بإنباه الرواة للقفطى ١/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>