وهو فى البيت الأول جعل الله مسيطرا على الزمان مشيرا بذلك إلى أنه محدث من صنعه، وكل ما هناك أنه قال إن الزمان تقادم أى تعمق فى القدم، وجعل الشهب فى البيت الثانى قديمة وهو لا يقصد بالقدم فى البيتين ما يناقض الحدوث إنما يقصد ما يناقض الحداثة بشهادة قوله:
وليس اعتقادى خلود النجوم ... ولا مذهبى قدم العالم
فهو لا يقول بخلود الأفلاك والكواكب والمادة ولا بقدمها كما كان يقول فلاسفة اليونان. وإنما دخل الخطأ على بعض الباحثين من فهمهم القدم فى مثل البيتين السالفين-كما قلنا-بأنه يعنى نقيض الحدوث وهو إنما يعنى نقيض الحداثة، وقد بسطنا ذلك فى مقالنا عن أبى العلاء بكتابنا المذكور آنفا، وأوضحنا أنه فى أشعاره مؤمن إيمانا عميقا بالديانات السماوية والدين الحنيف ورسالته السامية، كما أوضحنا أن هذا الايمان أصل أساسى من أصول تفكيره الفلسفى العلائى، وأنشدنا له طائفة من الأشعار التى تصور بوضوح إيمانه بالتكاليف الشرعية وبالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكل ما يتصل به من بعث ونشور من مثل قوله:
فهو صائم الدهر، فرض على نفسه الصوم حين بلغ الثلاثين من عمره كما مر بنا، وهو دائما يتجه إلى ربه مصليا الصلوات الخمس دون أى انقطاع واصلا صلاته بالصيام والدعاء والذكر والتبتل والاستغفار. ويعترف مرارا بالبعث والحساب وأن ملكين يكتبان عن يمينه وشماله حسناته وسيئاته، يقول:
قد راعنى للحساب ذكر ... وغرّنى أنه بعيد
وعن يمينى وعن شمالى ... بصحبتى حافظ قعيد
وهو يستلهم فى البيتين قوله تعالى:(إذ يتلقّى المتلقّيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). ويعترف بحساب القبر وسؤال الملكين منكر ونكير فيه للناس، يقول مخاطبا الليالى:
خلّصينى من ضنك ما أنا فيه ... واطرحينى لمنكر ونكير
ويشعر فى عمق بأنه مقصّر مهما قدم لربه من عبادة، ويأمل دائما فى عفوه ومغفرته يوم النشور، يقول ضارعا: