فانعقدت صلة وثيقة بينهما وأخذ كل منهما يهدى صاحبه هدايا عظيمة، الشاعر يهديه روائع من مديحه بلغت أربعين قصيدة، والدّ زبرى يهديه أموالا جزيلة. ويتولى دمشق بعده ناصر الدولة الحسن بن الحسين الحمدانى حتى سنة ٤٤٠ وله فيه عشر مدائح ويخلفه على دمشق حيدرة بن الحسين بن مفلح، ويتولى مرارا متقطعة حتى سنة ٤٥٥ وله فيه قصيدة واحدة. ويبدو أنه اتجه فى ولايته على مدينته إلى القاهرة، فلزم الحسن بن على اليازورى وزير الخليفة الفاطمى المستنصر من سنة ٤٤٢ إلى سنة ٤٥٠ وقدم إليه إحدى عشرة قصيدة، بعضها قدمها إليه فى القاهرة وبعضها أرسلها إليه من دمشق. وولى الوزارة بعده أبو الفرج محمد بن جعفر المغربى فمدحه بقصيدتين وعزل سريعا فمدح الوزير بعده بمدحة واحدة.
وفى هذه السنوات التى تبلغ أكثر من ستين عددا كان ابن حيوس شاعر ولاة الدولة الفاطمية الإسماعيلية ووزرائها وكان يصدر عن عقيدتها فى مدائحهم، وتضطرب الأمور فى القاهرة ودمشق، ويصمت الشاعر إزاءها حتى إذا ازداد الاضطراب فى دمشق وخشى الشاعر على نفسه من استيلاء السلاجقة السنيين أعداء الفاطمين الإسماعيليين عليها رأيناه يهاجر منها لسنة ٤٦٤ إلى طرابلس وبنى عمار ولاتها، ويتصادف لقاؤه فيها بعلى بن منقذ صاحب حصن شيزر فينصحه أن يصحبه إلى محمود بن نصر المرداسى صاحب حلب فإنه سيجد عنده الظل الظليل، وكان يغلب على الناس هناك مذهب الشيعة الإمامية. فلم يجد الشاعر بأسا من تلبيته النصيحة، وقدم على الأمير محمود بن نصر، فمدحه بقصيدة بديعة وأعطاه ألف دينار، ومازال الشاعر يوالى مدائحه فيه إلى وفاته سنة ٤٦٧ حتى بلغت عشرا وهو يوالى عطاياه عليه. وخلفه ابنه نصر، فمضى يجزل للشاعر فى العطاء حتى بلغت مدائحه فيه مدة إمارته، وكانت عاما، عشر قصائد، وولى بعده أخوه سابق وظل يوالى عطاءه له حتى قضى مسلم بن قريش العقيلى لسنة ٤٧٣ على آل مرداس مستوليا منهم على حلب، ومدحه ابن حيوس بقصيدة طنانة يقول له فيها:
وأجازه بألفى دينار، وفى نفس السنة توفى ابن حيوس عن نحو ثمانين عاما. ولا ريب فى أن ابن حيوس انصرف عن عقيدته الإسماعيلية حين ولّى وجهه نحو بنى مرداس، ونراه يجاهر بذلك قائلا:
وكلّ نوء بمصر جادنى زمنا ... فداء نوء سقانى الرّىّ فى حلب