للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشاء له القدر أن يهدر مسئوليته لآل مرداس فى الأيام الأخيرة من حياته بعد أن أثروه-كما يقول ابن خلكان-وأسبغوا عليه نعما ضخمة، مما جعله يبنى دارا فخمة له بحلب، وكان قد كتب على بابها:

دار بنيناها وعشنا بها ... فى نعمة من آل مرداس

قل لبنى الدنيا ألا هكذا ... فليصنع الناس مع الناس

ولم ينفعهم ما صنعوه فبمجرد أن أزال مسلم بن قريش العقيلى دولتهم استأذنه فى إنشاد مديحه. ومن المؤكد أنه ظل إلى سن الستين يستلهم العقيدة الإسماعيلية الفاطمية فى مدائحه لو لاة الفاطميين بدمشق ووزرائهم بالقاهرة إما عن اقتناع بها وإما رياء لذوى السلطان وقد تحدثنا عن هذه النحلة فى كتابينا «العصر العباسى الثانى» و «عصر الدول والامارات» وأوضحنا مبادئها وكيف أن داعيتها القداح اتخذ سلمية بالقرب من حماة مركزا لها، وكانوا يزعمون أن تاريخ العالم ينقسم إلى حلقات وكل حلقة يمثلها سبعة من الأئمة وسابعهم الإمام الناطق الذى ينسخ بشريعته الشرائع. وقالوا إن جسم الإمام ليس جسما ماديا، بل هو شبح يكن فيه اللاهوت النورانى ويبالغ بعض شعرائهم فيزعم أن الإمام صفو شفاف لا تشويه الأكدار، فهو نورانى خالص. وأضفوا أسماء الله الحسنى فى القرآن الكريم على أئمتهم وجعلوهم علة الوجود ومدبّرى الكون إلى غير ذلك من مبادئ تصور غلوهم المفرط. ومن هذه المبادئ قبس ابن حيّوس فى مدحه للدّزبرى سنة ٤٢٧ قوله فى مديح المستنصر حين ولى الخلافة بعد أبيه الظاهر لدين الله:

أمّت خلافته ريح النّدى يسرا ... وظل نشر الدّنا من نشرها عطرا (١)

وخصّ بالشّرف المحض الذى ارتفعت ... له النواظر والنور الذى بهرا

هم الألى أخذ الله العهود لهم ... والناس ذرّ على من برّ أو فجرا (٢)

لأجلهم خلق الدّنيا وأسكنها ... وذنب آدم لولاهم لما غفرا

وإن آلاءه مالا يحيط بها ... وصف على أنها تستنطق الحجرا

مناقب عدد الأنفاس ما تركت ... لفاخر من جميع الناس مفتخرا


(١) أمت: قصدت، يسرا: سهلا، النشر: الريح الطيبة والطيب، الدنا: جمع دنيا.
(٢) الذر: ما يرى فى شعاع الشمس الداخلى من النافذة.

<<  <  ج: ص:  >  >>