أن نار الهوى أذبت مهجته حتى سال الدمع دما قانيا. ويمسى ويصبح وقد عزه الصبّر والتجلد وتملكه قلق لا حدّ له، وضاع منه كل شئ حتى الطيف فى المنام، وحتى الأحلام إذ لا يزال مسهّدا لا ينام.
ونمضى إلى زمن العثمانيين ونجد الغزل وشعر الحب على كل لسان من مثل قول فتح الله بن النحاس المتوفى سنة ١٠٥٢ للهجرة (١):
طرقت طروق الطيف وهنا ... ميّالة الأعطاف حسنا
مصقولة الخدّين مث ... ل السّيف ألحاظا ومتنا
فى حلّة من جنس ما ... يكسو الربيع الغصن دكنا
الدّلّ ينبت من مسا ... حب ذيلها والحسن يجنى
لو خاطبت وثنا لح ... نّ مع الجمود لها وأنّا
وليس فى القطعة لوعة، بل هو يصف جمال صاحبته ودلّها وحسنها، ويقول: لو خاطبت وثنا من الأحجار لحنّ لها وأنّ أنينا لا ينقطع. ولم يكن فتح الله بن النحاس من شعراء الحب والوجد مثل محمد الحشرى المتوفى سنة ١٠٩٢ للهجرة القائل (٢):
من عذيرى فى حبّ طفل لعوب ... عوّدوه سفك الدّما فحلا له
كلما صدّ عن سواى دلالا ... صدّ عنى تبرّما وملاله
لست أنسى يوم الفراق وقد أد ... رك من شملنا النّوى آماله
غصب البين من يدى كلّ قدّ ... سرق الغصن لينه واعتداله
مرّ نشوان من جوى يتثنّى ... ثقّل الورد غصنه فأماله
والقطعة تزخر بتصاوير بديعة، تصور خصب الخيال عند الحشرى، فقد عوّدوا صاحبته الطّفلة الناعمة الرقيقة سفك الدماء فحلالها أن تديم هذا السفك. ويزعم أن الغصن سرق لينه واعتداله من قد صاحبته وقوامها اللين الممشوق وينفذ إلى صورة طريفة، فصاحبته تتثنى لثقل الورد المتوهج على خدودها الفائقة. وحرى بنا أن نترجم فى إجمال لبعض شعراء العصر الغزلين.
(١) نفحة الريحانة (طبعة الحلبى) ٢/ ٥٢٧.