للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشمس تخجل من ضياء جبينه ... والجلّنار يغار من وجناته

أضحى الجمال بأسره فى أسره ... فكأن يوسف حاز بعض صفاته

لا تطمعن يا عاذلى فى سلوتى ... عنه فما أسلوه، لا وحياته

وهو يصور صاحبته مهفهفة أو بعبارة أخرى ضامرة دقيقة الخصر بلغت كل ما تتمناه المرأة من حسن وجمال، ويقول إن غصن البان الذى يميد ملاحة حركته مشتقة من حركاتها، ويجعل الشمس تصفرّ خجلا من ضياء جبينها، بينما يغار الجلنار أو بعبارة أخرى ورد الرمان وزهره الأحمر من وجناتها المشربة بالحمرة القانية، ويجعلها تحوز الجمال بأسره، حتى لكأن يوسف عليه السلام إنما حاز منه أطرافا! ويتوجه إلى عاذله باللوم، فلن يكفّ عن حبه ولن يسلو صاحبته أبدا.

ويقول بدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبى المتوفى سنة ٦٨٠ للهجرة (١):

وتنبّهت ذات الجناح بسحرة ... بالواديين فنبّهت أشواقى

ورقاء قد أخذت فنون الحزن عن ... يعقوب والألحان عن إسحاق (٢)

أنّى تبارينى جوى وصبابة ... وكآبة وأسى وفيض مآقى

وأنا الذى أملى الجوى من خاطرى ... وهى التى تملى من الأوراق

وهو يقارن بين جواه وحبه وأساه ودموعه وبين جوى الحمامة الورقاء وصبابتها لأليفها وحزنها الدفين، ويقول إنه يملى من خاطره حرقته ولوعته، بينما هى تملى من أوراق الشجر وتروى عنه ذلك الوجد. ويقول المحّار الحلبى المتوفى سنة ٧١١ للهجرة (٣)

ما بثّ شكواه لولا مسّه الألم ... ولا تأوّه لولا شفّه السّقم

ولا توهّم أن الدمع مهجته ... أذابها الشوق حتى سال وهو دم

يبدى التجلّد والأجفان تفضحه ... كالبرق تبكى الغوادى وهو يبتسم

يمسى ويصبح لا صبير ولا جلد ... ولا قرار ولا طيف ولا حلم

والمحار يقول إنه لم يشك إلا بعد أن برح به الألم ولا أنّ إلا بعد أن شفه السقم وما كان ليتوهم


(١) الخزانة ص ٣٢٦
(٢) يعقوب هو النبى يعقوب وبكاؤه على ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن معروف. . وإسحاق هو إسحاق الموصلى أشهر المغنين الملحنين فى العصر العباسى.
(٣) فوات الوفيات ٢/ ٢٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>