للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عفائف إلا عن معاقرة الهوى ... ضعائف إلا فى مغالبة الصّبّ

ولما دنا التوديع قلت لصاحبى ... حنانيك سر بى عن ملاحظة السّرب

تقضّى زمانى بين بين وهجرة ... فحتام لا يصحو فؤادى من حبّ

وأهوى الذى يهوى له البدر ساجدا ... ألست ترى فى وجهه أثر التّرب

والصورة فى البيت الأخير رائعة فقد جعل كلفة البدر من أثر الترب العالق بجبهته لتوالى سجوده لصاحبته ولجمالها الساحر. ويقول إن زمانه تقضّى فى حرمان متلاحق من البعاد والهجرة المتصلة. ولحماد الخراط المتوفى سنة ٥٦٥ قوله (١):

ألا هل لماضى العيش عندك مرجع ... وهل فيه بعد اليأس للصّبّ مطمع

لقد أولعت بالصّدّ عنى وإننى ... لفرقتها، ما عشت، بالوجد مولع

أضاحك حسّادى فيغلبنى البكا ... وأكتم عوّادى وإنى لموجع

إذا خطرت من ذكرها لى خطرة ... تكاد لها أنياط قلبى تقطّع

وهو يائس من اللقاء ومع ذلك لا يزال حبل الرجاء ممدودا، مع ولوعها بالصد عنه والإعراض ومع تعلقه بها ووجده وجدا ملتاعا. ويضاحك حساده تمويها ويغلبه البكاء ويكاتم زواره وهو موجع القلب والحشا، حتى إذا ذكر اسمها عفوا أحسّ كأن نياط فؤاده وعلائقه تتقطع تحسرا ولوعة. وقد أنشد له العماد غزلا كثيرا. ويشكو ابن النقار كاتب الإنشاء الدمشقى المتوفى سنة ٥٩٢ شكوى مرة من صاحبته قائلا (٢):

من منصفى من ظالم متعنّت ... يزداد ظلما كلما حكّمته

ملّكته روحى ليحفظ ملكه ... فأضاعنى وأضاع ما ملّكته

وهى تظلمه ولا ترحمه ولا تعطف عليه أى ضعف، وويل له لقد ملّكها روحه لتحفظها وتصونها وتقوم بحقوقها فإذا هى تضيعها وتضيع صاحبها إذ أصبح خواء بلا روح، فما أشقاه:

ويقول فتيان الشاغورى متغزلا (٣).

ومهفهف بلغ المنى بصفاته ... حركات غصن البان من حركاته


(١) الخريدة ٢/ ١٣٧
(٢) الخريدة ١/ ٣١٥
(٣) الديوان ص ٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>