للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرة يقدم بها لمدائحه نحس فيها لوعة المحب وحرقة فؤاده من مثل قوله (١):

خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ... فقد كاد ريّاها يطير بلبّه

تذكّر والذكرى تشوق وذو الهوى ... يتوق ومن يعلق به الحبّ يصبه

غرام على يأس الهوى ورجائه ... وشوق على بعد المزار وقربه

إذا خطرت من جانب الرّمل نفحة ... تضمّن منها داءه دون صحبه

أغار إذا آنست فى الحىّ أنّة ... حذارا وخوفا أن تكون لحبّه

فحب صاحبته النجدية استأثر بقلبه حتى ليطلب له الأمان من صبا نجد مخافة عليه أن يطير شعاعا، وإنه ليذكرها ليل نهار وتصبيه، وييأس لهجرانها ولأسنة أهلها وسيوفهم كما يقول فى القصيدة. ويظل يرجو لقاءها وإنه ليتنسّم فى الصّبا المقبلة من ديارها نفحة من عطرها تحمل له نفس الداء، داء الحب وعذابه. ويبالغ فى وصف غيرته عليها، حتى ليخشى أن تكون كل أنّة يسمعها فى الحى من محب لها محموم بحبها ودائه العضال. ولمعاصره الغزّى المتوفى سنة ٥٢٤ للهجرة (٢):

إشارة منك تغنينى وأحسن ما ... ردّ السلام غداة البين بالعنم (٣)

حتى إذا طاح عنها المرط من دهش ... وانحلّ بالضّمّ سلك العقد فى الظّلم (٤)

تبسّمت فأضاء الليل فالتقطت ... حبّات منتثر فى ضوء منتظم

وهو تكفيه الإيماءة من بعيد والإشارة بالبنان الجميل الأحمر حمرة زهر العنم، ويقول إنه سقط عنها المرط أو الإزار وانحل سلك العقد الملتف حول جيدها، وتبسمت فأضاء ظلام الليل وأخذت تلتقط حبات العقد المتناثرة فى ضوء اللؤلؤ المنتظم فى ثغرها البرّاق الفاتن.

ودخل القيسرانى مدينة أنطاكية فى أثناء حكم الصليبيين لها سنة ٥٤٠ لحاجة عرضت له، وكان فى الثانية والستين من عمره، فنظم مقطّعات يشبّب فيها بإفرنجيات، أشهرهن مغنية تسمى ماريّا، خلبت لبه، وله فيها غزليات كثيرة، ومن بديع غزله قوله (٥):


(١) ديوان ابن الخياط ص ١٧٠
(٢) ابن خلكان ١/ ٥٩
(٣) العتم: نبات أزهاره قرمزية
(٤) المرط: كساء من حرير أو صوف تتلفع به المرأة
(٥) الخريدة (قسم الشام) ١/ ١٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>