للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محفوظة، فريق صاحبته خمر والشعر على أصداغها مسك وأسنانها درّ، وربما كانت الصورة فى البيت الأخير بديعة، إذ تخيل كأن حمرة خديها الساطعة دم سفكته، وهى مبالغة فى الخيال والتصور. ولأبى فراس الحمدانى أبيات فيها غير قليل من نشوة الحب وحرارته، إذ يقول (١):

سكرت من لحظه لا من مدامته ... ومال بالنّوم عن عينى تمايله

وما السلاف دهتنى بل سوالفه ... ولا الشّمول ازدهتنى بل شمائله

ألوى بلبّى أصداغ لوين له ... وغال قلبى ما تحوى غلائله

وهو يقول إنه انتشى من لحظ صاحبته وعينيها الفاتنتين لا من الخمر الحقيقية، ويقول ليست السلافة أو الخمر هى التى دهته بل صفحتا جيدها البديع، وكذلك ليست الخمر أو الشّمول هى التى استخفّته بل خصالها الحلوة وما أروع أصداغ شعرها المنسدلة على خديها فقد ألوت وذهبت بلبه، وما أجمل كل ما تشتمل عليه غلائلها وثيابها مما سرق منه قلبه. وله مقطوعة وصف فيها ليلة من ليالى حبه على طريقة عمر بن أبى ربيعة (٢)، إذ يقول إنهما ظلا يقتطفان زهرات الحب إلى أن بدا ضوء الصباح فتفرّقا. ولابن زمرك موشحات وأشعار على هذا الغرار، يحاكى فيها أبا فراس وابن أبى ربيعة، وظن بعض المستشرقين أنها من تجديداته، وهى قديمة فى الشعر العربى. ولابن سنان الخفاجى (٣):

أترى طيفكم لما سرى ... أخذ النوم وأعطى السّهرا

أم ذهلنا وتمادى ليلنا ... فتوهمنا العشاء السّحرا

يا عيونا بالحمى راقدة ... حرّم الله عليكنّ الكرى

سل فروع البان عن قلبى فقد ... وهم البارق فيما ذكرا

وليس فى الأبيات لهفة ولا لوعة، ودعاؤه على صاحبته أو صواحبه-فى البيت الثالث-أن لا يذقن النوم دعاء ناب على ذوق المحبين. ولم يكن من أصحاب الحب. وإنما هى أبيات فى الغزل أو النسيب كان يقدم بها لقصائده حكاية واقتداء بالشعراء قبله. ولابن الخياط أشعار غزلية


(١) ديوان أبى فراس الحمدانى ٢/ ٣٠٢
(٢) ديوان أبى فراس ٢/ ٣٩.
(٣) ديوان ابن سنان الخفاجى (طبع المطبعة الأنسية) ص ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>