أو بعض خصومهم من أخلاق شائنة يزدريها المجتمع. وهذا الفخر والهجاء الجماعيان والفرديان نجدهما عند أبى تمام والبحترى وغيرهما من الشعراء، وكثيرا ما كان يحدث ذلك بين الشعراء أنفسهم، فنجد-بعامل المنافسة-شاعرا يفاخر زميلا له ويهاجيه.
وكل ذلك نراه شائعا فى هذا العصر: عصر الدول والإمارات، وكانت الحرب محتدمة فى أوائله بين سيف الدولة الحمدانى أمير حلب وبين الروم، وكان يكيل لهم ضربات قاصمة، مما جعل كثيرين من الشعراء يمدحون بطولته وبطولة جيوشه العربية مفاخرين الروم وهاجين منذرين جموعهم بمعارك تدق أعناقهم دقا ولا تبقى ولا تذر. وبجانب ذلك نجد الفخر والهجاء الفرديين محتدمين بين بعض شعراء حاشيته على نحو ما حدث بين الخالديين والسّرىّ الرّفاء. وشاعر الفخر الشامى الذى لا يبارى فى القرن الرابع الهجرى أبو فراس الحمدانى، وسنخصه بترجمة مفردة.
وربما كانت أروع قصيدة فخر نظمها شعراء الشام فى القرن الخامس الهجرى قصيدة أبى العلاء المعرى التى أشرنا إليها فى ترجمته وفيها يقول (١):
ألا فى سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل
تعدّ ذنوبى عند قوم كثيرة ... ولا ذنب لى إلا العلا والفضائل
وقد سار ذكرى فى البلاد فمن لهم ... بإخفاء شمس ضوءها متكامل
وإنى وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
ولى منطق لم يرض لى كنه منزلى ... على أننى بين السّماكين نازل
ولما رأيت الجهل فى الناس فاشيا ... تجاهلت حتى ظنّ أنى جاهل
وواعجبا كم يدّعى الفضل ناقص ... وواأسفا كم يظهر النّقص فاضل
ينافس يومى فىّ أمسى تشرّفا ... وتحسد أسحارى علىّ الأصائل
والقصيدة تناقض شخصية أبى العلاء المتشائمة الزاهدة فى الحياة وكل ما فيها من مجد، وإما نظمها تقليدا ومحاكاة لسابقيه فى فن الفخر، وإما نظمها فى ساعة غضب ردا على بعض شانئيه وخصومه. ومع ذلك فهى تصور مكانته فى الأدب العربى، وأنه فيه-بحق-السابق المجلّى، وهو يقول: من أين يلحقنى الذم وأنا أنهض بكل ما يكسبنى المجد والشرف من العفاف الطاهر
(١) ديوان سقط الزند (طبع دار الكتب المصرية) ٢/ ٥١٩.