للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإقدام الجرئ والحزم النافذ والنائل أو الجود السابغ، ويقول إنه ليس فيه ذنوب ولا عيوب إلا إذا عدّت العلا والفضائل ذنوبا وعيوبا، ولن تعد المحاسن كذلك أبدا. وإن ذكره ليعم البلاد كما يعمها ضوء الشمس الغامر الذى لا يستطيع أحد إخفاءه، وإن كان زمانه قد تأخر فإنه أتى بما لم يستطعه الأوائل، ومع أنه بين السماكين فى السموات العلا لا يزال منطقه أو عقله يطلب منزلة أعلى شأنا. ولما رأى الجهل فاشيا تجاهل حتى ظن الأغبياء أنه جاهل، وتعجب من ادعاء الناقص الفضل وتحسّر على تظاهر الفاضل بالنقص. ويقول إن كل وقت يتمنى أن يكون فيه دون غيره من الأوقات، فأمسه يحسد عليه يومه وأصيل اليوم يحسد عليه سحره. ويمضى أبو العلاء فى القصيدة بهذا الصوت الضخم المجلجل كالرعد القاصف.

وكان يعاصر أبا العلاء ابن سنان الخفاجى المتوفى سنة ٤٦٦ للهجرة، وله يفتخر بقومه وبلائهم فى حرب الثغور ضد الروم (١):

أهل الثغور إذا تلمّ ملمّة ... بسطوا رماحا دونها وسواعدا

وأولو التّقى فإذا مررت عليهم ... لم تلق إلا مكرما ومجاهدا

إن حاربوا ملئوا البلاد مصارعا ... أو سالموا عمروا الديار مساجدا

بيت له النسب الجلىّ وغيره ... دعوى تريد أدلّة وشواهدا

وهو يفخر ببأس قومه وتقواهم وأنهم فى الحرب يملئون ساحات المعارك بينهم وبين الروم صرعى مقتولين. وإذا أفضوا إلى السلم ملئوا الديار مساجد، ويقول إن بيتهم عريق فى العرب لا يطاوله أى بيت. ومن شعراء الفخر فى زمن الفاطميين والأيوبيين أسامة بن منقذ وسنفرد له ترجمة-ولابن الساعاتى المار ذكره (٢):

وإنى لآبى الضّيم من كل صاحب ... وأكره قلبى أن يكون له خدنا

وإن بلد لم أغد فيه مكرّما ... نهضت فأعملت الجديليّة البدنا (٣)

وما شان فضلى بين أهلى خموله ... وقد بلغت غاياته الإنس والجنّا

فإنى كعود الهند هين بدوحه ... وقد عبّقت أنفاسه السّهل والحزنا


(١) ديوان ابن سنان الخفاجى ص ٢٣
(٢) ديوان ابن الساعاتى ٢/ ٢١٤
(٣) الجديلية البدن: النوق الضخمة

<<  <  ج: ص:  >  >>