للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كم قد أبدت بسيفى كلّ مفتخر ... حامى الحقيقة يوم الجحفل اللّجب (١)

وكم تركت بنى الإفرنج فى رعب ... فصرت أدعى لديهم جالب الرّعب

وكم جررت إليهم جحفلا لجبا ... بالسّابريّة والماذىّ واليلب (٢)

وهو يقول إنه كثيرا ما قضى قضاء مبرما على كل شجاع يفخر بشجاعته حاميا حمى أهله يوم النزال الطاحن. ويقول إنه كثيرا ما أنزل الرعب فى قلوب حملة الصليب حتى سموه-جزعا- جالب الرعب، وكم قاد إليهم جيوشا غفيرة شاكية السلاح تقتلهم وتسفك دماءهم. ويقول:

سل بى كماة الوغى فى كلّ معترك ... يضيق بالنفس فيه صدر ذى الباس

ينبّئوك بأنى فى مضايقها ... ثبت إذا الخوف هزّ الشاهق الرّاسى

فهو يجلّى فى المعارك حامية الوطيس التى تبلغ فيها الروح الحلقوم ويرى الكماة فيها الموت نصب أعينهم، فإنه حينئذ يشق الجماجم ويدق الأعناق رابط الجأش ثابت الجنان حتى حين يهز الخوف والفزع الجبال الرواسى من الكماة العتاة.

ولأسامة قصيده نظمها على لسان نور الدين مفاخرا معددا لانتصارات البطل على حملة الصليب وتمزيقه لصفوفهم وقد بلغت أكثر من تسعين بيتا وفيها يقول:

أبى الله إلا أن يكون لنا الأمر ... لتحيا بنا الدنيا ويفتخر العصر

جعلنا الجهاد همّنا واشتغالنا ... ولم يلهنا عنه السماع ولا الخمر

بنا أيّد الإسلام وازداد عزّة ... وذلّ لنا من بعد عزّته الكفر

بنا استرجع الله البلاد وأمّن ال‍ ... ‍عباد فلا خوف عليهم ولا قهر

وحقا كان نور الدين مفخرة للعصر فى دكّ قلاع الصليبيين وحصونهم، وبه استرجع كثير من بلاد الشام وأمن فيها الناس، ووضع المكس أو الضرائب عن التجار وانتعشت الحياة وازداد الإسلام عزة. ونور الدين-بدون ريب-هو الذى هيأ لصلاح الدين حكم مصر وانتصاراته المدوية على الصليبيين واسترجاعه القدس الطاهر وتقليمه لأظافرهم. ويقول أسامة حين أقعدته سنواته السبعون عن الاشتراك فى نزال الصليبيين ووهنت منه رجلاه وقواه، فلم يعد يستطيع


(١) حامى الحقيقة. حامى الحمى. الجحفل اللجب: الجيش الكثيف كثير الضجيج
(٢) السابرية: الدرع المحكمة النسج. الماذى: السلاح. اليلب. الترس.

<<  <  ج: ص:  >  >>