للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تحسبوه مات شخصا واحدا ... قد عمّ كلّ العالمين مماته

لو كان فى عصر النبىّ لأنزلت ... فى ذكره من ذكره آياته

يا راعيا للدين حين تمكنت ... منه الذئاب وأسلمته رعاته

فعلى صلاح الدين يوسف دائما ... رضوان ربّ العرش بل صلواته

وحقا حامى صلاح الدين عن الإسلام حماية هائلة، عرضنا لها فى حديثنا عن السياسة بالشام ومصر، حماية جعلته فى الذروة من أبطال العرب الفاتحين، مع ما عمّره من المدارس والمساجد فى كل بلد بمصر والشام، ومع كثرة ما وقفه عليهما من أموال، ومع دولته الواسعة لم يخلّف ملكا ولا دارا ولا بستانا ولا مزرعة، إنما خلف بطولة أحنى لها حملة الصليب رءوسهم.

ولا يكاد يتوفّى حاكم طوال هذا العصر ولا وزير ولا عالم ولا قاض إلا ويرثيه الشعراء، من ذلك قول الشهاب محمود فى ابن صصرى قاضى دمشق لأكثر من عشرين عاما المتوفى سنة ٧٢٣ للهجرة (١):

قاضى القضاة ومن حوى رتبا سمت ... عن أن تسام سنا وبزّت من سعى

شيخ الشيوخ العارفين ومن رقى ... رتب السلوك تعبّدا وتورّعا

حاوى العلوم بما تفرّق فى الورى ... إلا الذى منها إليه تجمّعا

وطبيعى أن يصفه بالتقوى والورع والعلوم الشرعية والفقه بها فقها دقيقا. ويقولون إنه كان يجمع بين الحسنيين: المعرفة بالمنقول والبراعة فى المعقول أو ما يحتاج إلى عقل وفهم وقياس وبصيرة. ويلقانا رثاء كثير أيام العثمانيين، من ذلك قول أحمد بن محمد الحسنى الحلبى المتوفى سنة ١٠٥٦ فى رثاء أخيه (٢):

رزء ألمّ وحسرة تتوالى ... ومصيبة قد جذّت الآمالا

وفراق إلف إن أردت تصبّرا ... عنه أردت من الزمان محالا

كنا كغصنى دوحة قطع الرّدى ... منها الأغضّ الأرطب الميّالا

أو كاليدين لذات شخص واحد ... كان اليمين لها وكنت شمالا

وكان وتر الشكوى من الدهر والممدوحين والناس مشدودا فى أحوال كثيرة إلى قيثارات الشعراء


(١) طبقات الشافعية للسبكى ٩/ ٢٢
(٢) نفحة الريحانة للمحبى ٢/ ٥٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>