للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يردون موارد لا تشفى غليلهم، موارد تزخر بالرماح والدماء

نحن إذن بإزاء شخصية ممتازة من شخصيات الشعر الجاهلى شخصية فيها بر ورحمة وفيها نزعة قوية إلى الخير. وليس معنى ذلك أنه تخلص فى مديحه لهرم بن سنان وابن عمه الحارث بن عوف من الصورة الجاهلية التى تشيد بالشجاعة والكرم المتهور، فنحن نراه فى قصيدة ثانية يتحدث عنهما وعن عشيرتهما على هذه الشاكلة:

إذا فزعوا طاروا إلى مستغيثهم ... طوال الرّماح لا ضعاف ولا عزل (١)

بخيل عليها جنّة عبقريّة ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا

وإن يقتلوا فيشتفى بدمائهم ... وكانوا قديما من مناياهم القتل

عليها أسود ضاريات لبوسهم ... سوابغ بيض لا تخرّقها النّبل (٢)

إذا لقحت حرب عوان مضرّة ... ضروس تهرّ الناس أنيابها عصل (٣)

قضاعيّة أو أختها مضريّة ... يحرّق فى حافاتها الحطب الجزال (٤)

هم خير حىّ من معدّ علمتهم ... لهم نائل فى قومهم ولهم فضل (٥)

وهو يصف سيدى بنى مرة وعشيرتيهما بالشجاعة ونجدة من يستغيث بهم، حتى ليكادون يطيرون إليه طيرانا بسوابقهم وخيلهم وكأنهم جنة. وانظر إليهم حين تدور المعارك فستراهم أسودا ضارية، لا يرهبون الموت، حين تشتد الحرب وتعض الناس بأنيابها وتحرقهم بنيرانها. وهم يحاربون فى كل مكان، لا يخشون أحدا، يحاربون قضاعة ومضرا. وهم يضيفون إلى هذه الشجاعة كرما مفرطا. وفى كل قبيل منهم ثأر، ومن ثم كانوا يشتفى بدمائهم، إنهم خير معد شجاعة وكرما فياضا. ولا يلبث زهير أن يقول:


(١) العزل: جمع أعزل وهو من لا سلاح معه.
(٢) لبوسهم سوابغ: لبسهم دروع تامة.
(٣) لقحت: حملت، يريد اشتدت. حرب عوان: مكررة قوتل فيها مرة بعد مرة. ضروس: شديدة. تهر الناس: تخيفهم. عصل: قوية تطحن طحنا.
(٤) الجزل: الغليظ ضد الرقيق.
(٥) النائل: العطاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>