للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهى وردة فى بدء تفتحها وهى لا تزال فى كمّها، مما جعله يعلل تجمعها قبل أن تتفتح هذا التعليل البديع الدالّ على لطف تخيله كما قال صاحب فوات الوفيات. ويقول فى وصف ناعورة أو ساقية:

ناعورة مذ ضاع منها قلبها ... ناحت عليه بأنّة وبكاء

وتعلّلت بلقائه فلأجل ذا ... جعلت تدير عيونها فى الماء

فقواديسها لا تهوى فارغة طلبا للماء والصعود به، وإنما تهوى بحثا عن قلبها الذى ضاع منها، وجعل لحونها الحزينة أنينا وبكاء عليه. ويقول:

لم لا أميل إلى الرّياض وزهرها ... وأقيم منها تحت ظلّ ضافى

والغصن يلقانى بثغر باسم ... والماء يلقانى بقلب صافى

والثغر الباسم هو الأقحوان المتفتح والشعراء يشبهونه بالثغر كثيرا، وفى البيتين رقة ودقة حس وخفة روح. وقد يخلط الطبيعة بالغزل كما فى قوله:

كيف السبيل لأن أقبّل خدّ من ... أهوى وقد نامت عيون الحرّس

وأصابع المنثور تومى نحونا ... حسدا وتغمزها عيون النّرجس

والمنثور زهر ذكى يزهو فى أعلى سيقانه، شبهه ابن تميم بالأصابع، وتشبيه الشعراء للنرجس بالعيون قديم. وقد استغلهما جميعا فى هذا التعليل، إذ لا يستطيع الاقتراب من صاحبته. ويقول فى الخمر مداعبا:

روحى الفداء لمن أدار بلحظه ... صهباء فى عقلى لها تأثير

فاعجب له أنّى يصون بلحظه ... مشمولة وإناؤها مكسور

وكلمة «مكسور» إما من كسر الإناء بمعنى تهشمه وتحطمه، وإما كسر ما فيه من الخمر بالماء وهو كسر حميّاها وثورته، وهو المعنى المراد فى البيت. ويقول أيضا فى الخمر:

وليلة بتّ أسقى فى غياهبها ... راحا تسلّ شبابى من يد الهرم

مازلت أشربها حتى نظرت إلى ... غزالة الصبح ترعى نرجس الظّلم

<<  <  ج: ص:  >  >>