للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشرف من فى النهار ناجى ... وخير من فى الدّجى تهجّد

وغير بدع لمستجير ... به إذا نال كلّ مقصد

وموسيقى الأبيات بديعة. وقد تخلص تخلصا رائعا من الغزل إلى مديح المصطفى بذكر وشاح صاحبته الصائم كناية عن نحول خصرها مع لينه، فمن رآها-كما يقول-صلّى على الرسول إعجابا بها واستحسانا لها، ومضى يذكر مناجاة الرسول نهارا وتهجده ليلا وأن من يستجير به ينال كل مأمول ومطلب. وله مدحة عارض بها مدحة كعب بن زهير للرسول مقتبسا منها الشطور الثانية لقصيدته، فإن لم يقتبس شطرا اقتبس قافية.

وزهديات الأنصارى كثيرة، وكان يصدر فيها عن زهد حقيقى فى متاع الحياة الدنيا. وفى إحداها يقول:

ملك القناعة عزّ يذهب الذّلّه ... فمن حوى كنزه لم يؤت من قلّه

تبّا لذى طمع مستعبد ومنى ... لا تستقرّ على رىّ بلا غلّه

يسوم إبلاعه من ريقه بللا ... وليس يروى ولو أبلعته دجله

فانقع غليلك من نهل بلا علل ... واقنع إذا أكلة أغنتك عن أكله

فالقناعة-فى رأيه-عز ما بعده عز، ومن حوى كنزها الذى لا يفنى لم يشك من قلة، ويقول تبّا لصاحب طمع يستعبده ومنى لا تروى أبدا فدائما صاحبها يعانى من غلّة العطش وحرارته، ودائما يريد أن يبلّ ريقه، إذ لا يروى أبدا ولو أبلعته نهر دجلة، فاكتف بأن تنقع حرارة ظمئك من النهل أو الشّربة الأولى من الماء ولا تطلب العلل أو الشربة الثانية منه. واقنع بكفاف العيش، وطوبى لمن زهد وقنع وأعرض عن متاع الدنيا الزائل. يقول:

وابغ أخرى دائم في‍ ... ها نعيم وشقاء

وتنصّل من خطيئا ... ت لها النار جزاء

وإذا صحّ لك القو ... ت على الدنيا العفاء

كلّ ما فى هذه الدّن‍ ... يا قصاراه الفناء

ولأهل الخلد فى الخل‍ ... د ولله البقاء

وهو ينصح الإنسان أن يسلو الدنيا ويطلب الأخرى دار النعيم للأتقياء والشقاء للعصاة، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>