للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبيض فياض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغبّ فواضله (١)

بكرت عليه غدوة فرأيته ... قعودا لديه بالصّريم عواذله (٢)

فأقصرن منه عن كريم مرزّأ ... عزوم على الأمر الذى هو فاعله (٣)

أخى ثقة لا تتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله (٤)

تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنك تعطيه الذى أنت سائله (٥)

وهو يمدحه بنقائه من العيوب وأنه كريم مفرط فى كرمه حتى لتشبه يداه سحابة، فما تزالان تهطلان على قاصديه بالعطايا، وعبثا يهتف به العواذل أن يكف عن كثرة نواله. إنه مثال للرجل الفاضل الذى لا ينفق أمواله فى لهو إنما ينفقها فى الصنيع الجميل. وإنه ليقبل على معتفيه بالبشر والطلاقة، حتى ليكادون يظنون أنهم المسئولون لا السائلون. وظل بعد ذلك يمدحه بحسن جداله للخصوم ومنطقه الصائب وكياسته وحلمه، وأشار إلى وراثته الطيبة عن آبائه فهو شريف حسيب، كما أشار إلى بلائه فى حروبه مع الغساسنة.

وهذه القطع المختلفة التى أنشدناها من مديحه تدل على براعة واضحة، فقد كان يحسن التعبير عما فى نفسه، وكان يحرص على الاقتصاد فى القول فلا يسرف ولا يغلو، بل يمثل ممدوحه بخصاله التى كان يشغف بها الجاهليون ويرونها أمارة السيادة والشرف. ولا حظ ذلك قديما عمر بن الخطاب، فقال: «كان لا يمتدح الرجل إلا بما يكون فيه (٦)» فهو يعتدل فى الثناء، وهو يمثل شخصية البدوى الحقيقى الذى يحيط كلامه بالصدق والبساطة. وكان إذا أحس إزاء صفة من الصفات أو معنى من المعانى بأنه يكاد يخرج عن حدّه أحاطه بما يجعل قوله مقبولا فيقدم لفظة «لو» ونحوها حتى لا يتجاوز القصد، كما نرى فى قوله يصف هرما وأمجاده:


(١) المعتفون: السائلون. الفواضل: العطايا. وأبيض كناية عن نقائه من المساوئ. وتغب: تنقطع.
(٢) الصريم: الصباح. عواذله: لائموه.
(٣) أقصرن: كففن. ومرزأ: مصاب فى ماله لكثرة ما يبذل منه.
(٤) النائل: العطاء.
(٥) متهللا: طلق الوجه.
(٦) أغانى ١٠/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>