للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا النحو يبدئ ويعيد فى هرم، وقد تراءى له فى الصورة المثالية للسيد البدوى الجاهلى، فهو شجاع فى معترك الحرب وهو كريم فى معترك المسغبة والجوع، وليس بفحّاش ولا غادر، وإذا صم اندفع يمضى ما صمم عليه، لا يستره عن الخير ستر، بينما تقوم الأستار بينه وبين كل فاحشة. وشاعرنا يثنى عليه بما عرف من فضله وبما قدم من مآثر النجدة وإغاثة الضعفاء واحتمال كل بلاء.

ودائما تلقانا فى مدائحه لهرم هذه المثالية الرائعة، بل هذه القطع المتوهجة، ومن رائع ما قاله فيه:

قد جعل المبتغون الخير فى هرم ... والسائلون إلى أبوابه طرقا

إن تلق يوما على علاّته هرما ... تلق السماحة منه والنّدى خلقا

ليث بعثّر يصطاد الرجال إذا ... ما كذّب الليث عن أقرانه صدقا (١)

يطعنهنم ما ارتموا حتى إذا اطّعنوا ... ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا (٢)

هذا وليس كمن يعيا بخطّته ... وسط النّدىّ إذا ما ناطق نطقا

فهو لكرمه الفياض يسعى إليه الناس من كل حدب، ويسلكون إلى أبوابه كل طريق، حتى لقد أصبحت الطرق إليه مذللة ممهدة، وهو يجزل لهم فى العطاء حتى حين تضيق ذات يده. وهو يجمع إلى الكرم المفرط الشجاعة المفرطة، حتى ليتفوق على الليث فى جرأته وطلبه لفريسته، إنه يطعن الطعنات النجلاء، وما يزال على ذلك حتى تنحسر غمرة الحرب، فإذا كان السلم رأيته وسط الندىّ يبهرك بمقوله كما يبهرك بيده وسلاحه وطعانه ونزاله

وقد أضفى حللا من هذا المديح الرائع على سيد بنى فزارة حصن بن حذيفة، وكانت له مواقع مأثورة فى حروب قومه مع عبس وغيرها من القبائل، وفيه يقول:


(١) عثر: موضع. كذب الليث: نكل عن لقاء أقرانه.
(٢) ارتمو: تراموا بالنبل، اطعنوا: تطاعنوا بالسيوف. اعتنق قرنه فى الحرب: أخذ بعنقه، كناية عن قتله. يقول إذا ترامى المتحاربون بالنبال أبى هرم إلا أن يطعن بسيفه، وإذا تطاعنوا ضرب بسيفه ضربات مميتة وإذا ما تضاربوا صرع خصومه. فهو سابق فى كل حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>