للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السياسية تلميذان: أحدهما من بيته هو ابنه عبد الله، وثانيهما من غير بيته هو عبد الحميد الكاتب الذى انتهت إليه رياسة ديوان الرسائل فى أيام مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية، وهو أبلغ كتاب الدواوين وأشهرهم حتى زمنه، لبلاغته وقد ضربت بها الأمثال، فقيل: «بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد» (١) ويقول ابن النديم: «عنه أخذ المترسلون، ولطريقته لزموا، وهو الذى سهّل سبيل البلاغة فى الترسل (٢)» ويقول المسعودى إنه «أول من استخدم التحميدات فى الكتب (٣)» واشتهر برسالة وجّه بها إلى الكتاب، وهى تدل على نمو طائفتهم وأنهم أخذوا يشكّلون فئة بارزة فى حياة الدولة والمجتمع، وفيها ينصحهم أن يلموا بالثقافة الإسلامية والعربية والأجنبية (٤). وكان يعرف الفارسية، ويقول صاحب الصناعتين إنه استخرج أمثلة الكتابة التى رسمها لمن بعده من اللسان الفارسى فحوّلها إلى اللسان العربى (٥)» وذكر الجاحظ أنه ترجم بعض كتب من الفارسية. وتحتفظ الكتب الأدبية ببعض رسائله السياسية، ومنها رسالة (٦) طويلة كتب بها عن لسان مروان بن محمد إلى ابنه وولى عهده عبد الله حين وجّهه لمحاربة بعض الخوارج، وهى أشبه بكتّيب يشتمل على دستور محكم لقواد الدولة يضع لهم نظاما دقيقا لجيوشهم وتدبير شئونها من الوجهتين المادية والحربية. وبمجرد أن تحولت الخلافة من الأمويين إلى العباسيين وحلت بغداد محل دمشق أصبحت هى والشام جميعه ولاية تابعة للعباسيين، ولم يعد لديوان الإنشاء كبير أمر فى عصر الولاة والطولونيين والإخشيديين، بل لقد تعطل تماما، ولم نعد نسمع لدمشق أو للشام بكاتب كبير، إذ تحولت الكتابة الديوانية وتحول معها ديوان الإننشاء إلى بغداد، وأصبحنا طوال القرون: الثانى والثالث والرابع مشدودين إلى ديوان بغداد وكتّابه العظام، وأخذت الدولة الطولونية تعنى فى الفسطاط بهذا الديوان وظهر فيه ابن عبد كان وأضرابه، واستمر هذا النشاط زمن الإخشيديين ولكن شيئا منه لم يسقط إلى الشام، إذ كانت حينئذ ولاية تابعة للطولونيين والإخشيديين جميعا، وظل كثير من بلدانها تابعا لمصر فى زمن الدولة الفاطمية، ولم ينشأ حينئذ فى دمشق أو غيرها ديوان إنشاء ينهض الكتاب فيه بالكتابة الديوانية، حتى إذا أظلّ دمشق حكم دولة الأتابكة البوريين (٤٩٧ - ٥٤٩ هـ‍) رأيناها تعنى


(١) اليتيمة للثعالبى (تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد) ٣/ ١٥٤.
(٢) الفهرست ص ١٧٠.
(٣) مروج الذهب للمسعودى (طبعة دار الرجاء) ٣/ ١٧٨
(٤) الجهشيارى ص ٧٣ وما بعدها
(٥) الصناعتين (طبعة الحلبى) ص ٦٩
(٦) صبح الأعشى للقلقشندى ١٠/ ١٩٥ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>