جمهوره الأكبر. ويذكر صاحب الروضتين كثرة ما كان يكتبه العماد من البشارات فى كل انتصار لصلاح الدين على حملة الصليب، وما كان أكثر انتصاراته، ويذكر أنه حين فتح بيت المقدس كتب العماد سبعين بشارة، وكانت البشارات رسائل طويلة يصف العماد فيها المواقع وصفا تفصيليا. ويسوق المؤرخون بشارته بهذا الفتح العظيم التى كتب بها إلى الخليفة ببغداد، وفيها يقول، بعد إطنابه فى تحميدها وشكر الله على سابغ نعمائه على الإسلام والمسلمين.
«هذا الفتح العظيم، والنّجح الكريم، قد انقرضت الملوك الماضية، والقرون الخالية، على حسرة تمنّيه، وجيرة ترجّيه، ووحشة اليأس من تسنّيه (انفكاك عقدته) وتقاصرت عنه طوال الهمم، وتخاذلت عن الانتصار له أملاك الأمم، فالحمد لله الذى أعاد القدس (الشريعة) إلى المقدس، وأعاذه من الرّجس، وحقق من فتحة ما كان فى النفس، وبدّل وحشة الكفر فيه من الإسلام بالأنس، وجعل عزّ يومه ماحيا ذلّ أمس، وأسكنه الفقهاء والعلماء بعد الجهاد والضلال من البطرك والقسّ، وعبدة الصليب ومستقبلى الشمس. . وأخرج من بيته المقدس يوم الجمعة أهل الأحد (يريد يوم الأحد) وقمع من كان يقول: إن الله ثالث ثلاثة بمن يقول هو الله أحد، وأعان الله بإنزال الملائكة والروح، وأتى بهذا النصر الممنوح، الذى هو فتح الفتوح».
والطباق كثير فى القطعة، والجناس ينثر فيها من حين لآخر. وقد يكثر منه فى بعض رسائله كثرة مفرطة، بل هو أهم محسن بديعى أكثر من استخدامه، وعابه الصفدى بهذا الإكثار، متمثلا بقوله فى جواب مكاتبة:
«وقف الخادم على الكتاب وأفاض فى شكر فضل فيضه المستفيض، وتبلّج (إشراق) وجه وجاهته وتأرّج (انتشار) نبأ نباهته ما عرّفه من عوارفه (فواضله) البيض».
يقول الصفدى معقبا على هذه السجعة الطويلة وجناساتها الكثيرة:«انظر إلى قلق هذا التركيب وتعسّفه فى هذا الترتيب». ويقول السبكى معلقا على كلام الصفدى:«الأمر كما وصف، ولقد مجّ سمعى فواتح أبواب كتاب خريدة القصر، لما يكثر فيها من الجناس وردّ العجز على الصدر». على أن الصفدى نفسه يلاحظ أنه «حين يخلو كلام العماد المسجوع فى رسائله وكتبه من الجناس الكثير يعذب فى السمع وقعه، ويتسع فى الإحسان صقعه (جانبه) ويرشف اللّبّ مدامه، ويكون عند من له ذوق أطيب من تغريد حمامه».