للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يجحده، حتى يثمّر الأموال فى أوراق الحسّاب، وتزيد نموا وسموا فتفوق الأمواج فى البحار وتفوت القطر من السحاب».

وواضح ما فى السجعة الأولى من اقتباس لبعض ألفاظ القرآن الكريم، ويلتمس الصفدى بعض صور الطباق والجناس ولكن دون إسراف، كما يلتمس بعض الاستعارات، ويبدو فيها غير قليل من التكلف، كما يبدو التكلف أحيانا فى اجتلاب السجعات. ومن توقيعاته توقيع كتب به لكاتب السر بدمشق: ناصر الدين محمد بن يعقوب بالتدريس فى المدرسة الناصرية الجوانية جاء فيه:

«إن مدارس العلم الشريف لها الذكر الخالد والشرف الطارف والتالد (١) بها تتبين فوارس الجلاد فى مضايق الجدال، وتتجلى بدور الكلام فى مطالع الكمال، وتبدو شموس الجمال فيما لها من فسيح المجال. والمدرسة الناصرية-أثاب الله تعالى واقفها-هى الواسطة فى عقودها. والدرة الثمينة بلا كفء لها بين قيمّ نقودها، قد تدبّج فيها البناء وتأرّج عليها (٢) الثناء، وتخرّج عنها الحسن فإن له بها مزيد اعتناء. . فلذلك رسم بالأمر العالى أن يعاد إلى تدريسها لأن العود أمدح وأحمد، والرجوع الى الحق أسعف وأسعد».

وواقع ما فى التوقيع على هذا النحو من التصنع للجناس المقلوب فى مثل «جلاد وجدال» و «كلام وكمال» و «جمال ومجال» و «أمدح وأحمد» و «أسعف وأسعد» كل ذلك ليقع من نفس رئيس ديوان الإنشاء موقعا حسنا. ولم يكن الصفدى يتكلف دائما مثل هذه الكلف فى جناساته، بل هى تأتى عنده نادرة إذ كان حسبه أن يأتى بالجناسات الطبيعية دون هذه المشقة فى التكلف. وكثير من جوانب توقيعاته سلس سائغ. وكان محببا إلى أهل زمنه حسن المعاشرة جميل المودة.


(١) الطارف والتالد: الحادث والقديم.
(٢) تأرّج عليها: عطّرها:

<<  <  ج: ص:  >  >>