للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمان، بل أيضا قبل الحريرى المتوفى سنة ٥١٦ للهجرة، ويبدو أنها ظلت طويلا لا تعرفها أو على الأقل لا تحاول محاكاة الحريرى وبديع الزمان فيها، وكأنما اشتغالها بالحروب الصليبية ثم المغولية حتى منتصف القرن السابع الهجرى ألهاها عن هذا الفن، حتى إذا أخذت الأحوال السياسية تستقر فيها لأيام المماليك وجدناها تعنى به، وتلقانا نماذج متنوعة من هذه العناية منذ النصف الثانى من القرن السابع، وهى نماذج تختلف عن صورة المقامات عند بديع الزمان والحريرى، إذ لا تعتمد مثلها على أديب متسول وقصّ احتيالاته الأدبية قصّا حواريا، إنما تعتمد على الوصف أو المناظرة بين بعض الأشخاص أو بين بعض الأزهار أو بعض الثمار، وقد تعنى بالوعظ أو بعرض بعض المسائل فى العلوم المختلفة، من ذلك مقامة فى المفاخرة بين التوت والمشمش لتاج الدين بن عبيد الصرخدى المدرس بالمدرسة النورية بدمشق المتوفى بعد سنة ٦٧٠ ومن ذلك أيضا مقامة فى مصر والنيل والروضة لمحمد بن عبد الرحمن بن قرناص الحموى المتوفى حوالى سنة ٦٧٢. وتلقانا مقامة للشاب الظريف محمد بن عفيف الدين التلمسانى الذى ترجمنا له بين شعراء الغزل سماها مقامة أو مقامات العشاق، وفيها يصور شغفه باللهو والتنزه فى الرياض ولقاءه فيها ذات مرة لعاشقين وكيف حاورهما حوارا طريفا، وهو يفتتحها على هذا النمط (١):

«لم أزل مذ بلغت سن التمييز، أتولّع بنظم الأراجيز، ومذ شبّ عمرى عن الطّوق، مغرى بالغرام والتّوق، وأهيم بالشّمول (٢) والشمائل، وأشرب فى زجاجة صفراء كالأصائل، وأقدم على رشف ثغور البيض. . وأتنزه فى كل ناد وواد. . فخرجت بعض الأيام إلى الغياض (٣)، وولجت (٤) بين حياض ورياض».

ويذكر صاحب فوات الوفيات للشهاب محمود الذى مرت ترجمته بين الشعراء مقامة تسمى مقامة (٥) العشاق، ولعله حاكى بها مقامة الشاب الظريف. ولعمر بن الوردى المتوفى سنة ٧٤٩ أكثر من مقامة. وسنخصه بترجمة قصيرة، وللصفدى معاصره الذى مرت ترجمته مقامة سماها «رشف الرّحيق فى وصف الحريق» وصف فيها حريق دمشق الذى أتى على كثير من أحيائها وأسواقها وعمائرها لسنة ٧٤٠ ومن قوله فى تلك المقامة الملتاعة (٦):


(١) انظر المقامة ملحقة بديوان التلعفرى (طبع المطبعة الأدبية ببيروت).
(٢) الشمول: الخمر.
(٣) الغياض: أماكن الشجر الملتف
(٤) ولج: دخل
(٥) فوات الوفيات لابن شاكر ٢/ ٥٦٥
(٦) الجزء الأول من مسالك الأبصار (طبع دار الكتب المصرية) ١/ ٢٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>