للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القاضى حدث السن، فظن أنه ليس بشئ، فلما سأله عن حاجته قال: «نحن عشرة ذوو نسب وأولو علم وأدب، وقد أنشد كل منا بيتى شعر، سامهما (١) فضل سعر، وأقام وزنهما، وقال إنهما وإنهما، وأنا رسول أصحابى إليك لتنصف بيننا وقد دللت عليك» فقال له: قل ما أردت أن تقول، فأخذ يعرض عليه أبياتا فى الغزل وغير الغزل، والقاضى يعلق تعليقات نقدية بديعة.

وحينئذ رجع المعرى إلى نفسه يلومها لسوء ظنها بالمدرس، وأطال شكره.

وسمى المقامة الرابعة المشهدية وفيها يلقى شخص معرّىّ أميرا يحدثه عن الاحتفالات والمواسم حول بعض الأضرحة وما يجرى فيها من اللهو واختلاط النساء بالرجال كأعياد النصارى والمجوس، وينهاه الأمير عن الاشتراك فى هذه البدع المحرمة، وينوه بقاضى القضاة ابن الزّملكانى الذى أمر بإبطالها وشدد فى النكير عليها، ويدعو له قائلا:

«لا زال نداه (٢) مثل حرف النداء، كفيلا بضم الأقربين والبعداء، من وصل به نال عرفا (٣)، واكتسب تابعه على اللفظ والمحل عطفا، حتى يكون علمه علما منصوبا، وعواطفه للمعارف خبرا مبتدأ به منسوبا، ولا برح مرفوعا بفعل الحسنى، وسيوف بحوثه ماضية فهى على الفتح تبنى».

وواضح مدى ما تكلفه ابن الوردى من حشد مصطلحات النحو فى عبارات الثناء على ابن الزملكانى وسجعاته، فلا زال ابن الزملكانى مثل حرف النداء فى النحو ينادى به القريب والبعيد، والتابع مفرد التوابع، وهى العطف والنعت والتوكيد والبدل، ولذلك ذكر مع التابع العطف، وجلب من النحو كلمة «منصويا» واراد بها ان العلم مرفوع، وذكر المعارف والخبر والمبتدأ والنسب والرفع والمضى والبناء على الفتح. كل ذلك حشده فى هذه السجعات القليلة، ولم يكن يصنع ذلك دائما ولكن من حين إلى حين تلقانا فى نثره هذه الرقع التى تدل على التكلف الشديد.

ومقامته الخامسة فى وصف حريق دمشق الذى وصفه معاصره الصفدى. ومرت بنا قطعة من وصفه، وسمى ابن الوردى هذه المقامة باسم «صفو الرحيق فى وصف الحريق» ورواها عن شخص يسمى غيث بن سحاب عن ندى بن بحر، والصلة بينها وبين رسالة الصفدى فى الموضوع نفسه قوية، ويبدو أن الصفدى اقتبس كثيرا منه حتى عنوان مقامته وهو «رشف الرحيق فى


(١) سامهما فضل سعر. غالى بهما فى السعر
(٢) نداه: كرمه
(٣) العرف: المعروف

<<  <  ج: ص:  >  >>