أن المال الذى فى خزائن الحاكم إنما هو مال الرعية فينبغى أن ينفق فى مصالحها وحوائجها، وهو فى يد الحاكم أمانة، وصرفه فى غير وجهه خيانة. ويرسم الكتاب دائما لقارئه الأخلاق الحميدة والشمائل الكريمة مع نفسه ومع أبناء جنسه مع رفق ولين للمساكين، ومع صلابة فى الدين. وفى كل قصة وكل جانب منها تلقانا النصائح والحكم المعينة على الرشاد فى الحياة، مع الاستضاءة من حين إلى حين بالآيات القرآنية. والكتاب مسجوع، غير أن لغته واضحة وقلما يكون فيها لفظ غريب. وقصصه رائعة، وحرى أن تعرض على الناشئة مع إخلائها مما جاء فى بعضها من ألفاظ مفحشة أو نابية. ولا نشك فى أن ابن عرب شاه جلب فيها من الأقاصيص خير ما قرأه فى الفارسية والعربية من قصص الملوك والحكام وعلية الناس وصعاليكهم. ولا بد أنه أضاف إلى ذلك بعض القصص من خياله، وقد رأى أن يحاكى كليلة ودمنة بقصص كثيرة، كما أسلفنا. والقصص جميعا تكتظ بالحكم على شاكلة ما قرأه فى كتاب سلوان المطاع فى عدوان الأتباع الذى ألممنا به فى حديثنا عن الجزيرة العربية، وقد ذكر ذلك صراحة فى مقدمته للكتاب، وحكمه كحكم هذا الكتاب تتردد بين الشعر والنثر.
وفى الحق أنه كتاب بالغ الروعة بما يعلّم من شئون السياسة والحكم وبما يهدى إليه من البصر بالحياة وما فيها من فضائل تكتسب، ورذائل تجتنب، وما أروع الحكمه التى أجراها على لسان بعض الملوك فى قوله لأبنائه ناصحا:«يا بنىّ اكتسبوا العلم والفضل وادّخروا الحلم والعدل، فإن احتجتم إلى ذلك كان مالا، وإن استغنيتم عنه كان جمالا».