العربى الفاتح، ويدلّ بوضوح على كثرة من أسلم منهم أن الجزية التى كانت تؤخذ من القبط في عهد عمر بن الخطاب هبطت إلى أقل من النصف في عهد معاوية. وعملت على السرعة في تعرب مصر هجرات كثير من القبائل إليها حين سمعوا بزروعها وثمارها وطيبات الرزق فيها، وامتزجوا بسكانها عن طريق المعيشة والمصاهرة، مما أعدّ لتعرب من لم يدخل من القبط في الدين الحنيف، حتى إذا كنا في القرن الثالث الهجرى تمّ تعرب القبط برهبانهم وبطاركتهم وإن ظلت القبطية حية في بعض الأديرة.
وكان نشاط الشعر العربى بمصر محدودا زمن الأموبين لأن كثرة الجيش العربى الفاتح كانت من اليمنية، والشعر إنما يكثر على لسان القبائل المضرية والقيسية، وربما نظمت بها أشعار لم يسجّلها الرواة، حتى إذا كنا في زمن ولاتها العباسيين رأينا الشعر يأخذ في النشاط بها، ونزلها أبو نواس وأبو تمام، وازداد نشاطه فيها لعهد الدولتين الطولونية والإخشيدية ونزلها المتنبى وأحدث نزوله بها حركة أدبية خصبة.
وتتحول مقاليد الحكم فيها إلى الدولة الفاطمية. ويترجم الثعالبى في كتابه «اليتيمة» لكثيرين من شعراء مصر، ويفرد لها العماد الأصبهانى مجلدين في كتابه «الخريدة» ترجم فيهما لمائة وأربعين شاعرا، ويطّرد هذا الازدهار للشعر في مصر طوال زمن الأيوبيين والمماليك، وتظل منه بقية أيام العثمانيين.
ويكثر في مصر الشعر الدورى منذ ابن وكيع التنيسى في القرن الرابع الهجرى، وتكثر الرّباعيّات حتى إذا ازدهرت الموشحات في الأندلس درسها ابن سناء الملك شاعر صلاح الدين الأيوبى ووضع لها عروضها ورسومها كما وضع الخليل بن أحمد في القرن الثانى الهجرى عروض الشعر العربى ورسومه. ولابن سناء الملك فيها موشحات تشيع فيها حلاوة الجرس والسلاسة والعذوية، وبذلك كتب لها الذيوع الواسع بعده في مصر على ألسنة الشعراء مثل العزازى، وأكثر المتصوفة في زمن المماليك من النظم فيها وتلحينها في أذكارهم. ويستظهر الشعراء-منذ القاضى الفاضل-ألوان البديع ومحسناته، ويصبح التفنن فيها مقياس إبداعهم.
وأخذت-بعد ذلك-أترجم لأعلام الشعر في مصر طوال عصر الدول والإمارات محللا لشخصياتهم الأدبية وموزعا لهم على أغراض الشعر وموضوعاته الأساسية، فللمديح أعلام مبدعون من مثل ابن سناء الملك واضع عروض الموشحات، وللرثاء والشكوى أعلامهما النابهون مثل على بن النضر بملكته الشعرية