للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستولون على كثير من مدن الشام وما تلبث طامّة الصليبيين أن تجثم على ديار الشام والموصل، وتتعاقب الكوارث والخطوب منذ سنة ٤٩٠ إذ تقدم جموعهم من آسيا الصغرى، ويتسلل بلدوين إلى الرّها بالموصل ويستولى عليها ويكون بها أولى إماراتهم واستولت جموع أخرى على أنطاكية وكوّنوا بها إمارتهم الصليبية الثانية. ويأخذون المعرّة فى سنة ٤٩٢ ويستولى جودفرى فى نفس السنة على بيت المقدس وتكون بها إمارتهم الصليبية الثالثة ويستولى ريموند على طرابلس سنة ٥٠٢ وتكون بها إمارتهم الصليبية الرابعة، ويستولون على مدن لبنان وكثير من مدن فلسطين مثل الرملة وعكا، ولا يبقى لمصر فى الشام سوى عسقلان. وكل ذلك يحدث والأفضل سادر فى غفلته والجيش المصرى غائب عن حماه إلا بعض تجريدات برية وبحرية لا تغنى شيئا. ويقتل الأفضل سنة ٥١٥ ويقتل الخليفة الآمر سنة ٥٢٤ ويتولى عرش الخلافة الحافظ، ويستوزر أحمد بن الأفضل الجمالى وكان هو وأبوه وجده سنيين، فيأمر خطباء المساجد أن لا يدعوا فى خطبهم للحافظ كما يأمر المؤذنين أن يسقطوا من أذانهم «حىّ على خير العمل» أحد شعارات الفاطميين، وكأنه أراد أن يزيل الخلافة الفاطمية من مصر، غير أن أنصارها من حواشيها وشيعتها أسرعوا فقتلوه. ويتولى الخلافة بعد الحافظ ابنه الظافر سنة ٥٤٤ ولا يلبث أن يتوفّى فيخلفه ابنه الفائز وهو فى الخامسة من عمره سنة ٥٤٩ ويتوفى سنة ٥٥٥ فيخلفه العاضد آخر خلفائهم وهو فى الحادية عشرة من عمره.

وكأن الخلافة أصبحت أرجوحة حقيقية للصبية والغلمان، ونظل نرى مع كل خليفة وزراء، وغالبا يسقطون مقتولين. ولم يكن لكل منهم من شاغل سوى أن يجمع أكثر ما يمكن من الأموال لنفسه، مثقلا فى أثناء ذلك على المصريين بالضرائب الفادحة، بينما يعيش هو ومن وراءه من الخلفاء للهو والقصف.

وتفسد فى أثناء ذلك التدهور والانحلال أداة الحكم فى مصر فسادا شديدا. ومع ذلك لا تزال ترسل إلى الشام بعض تجريدات ذرّا للرماد فى العيون، وحتى عسقلان يحتلها الصليبيون ويطمحون إلى احتلال وادى النيل. وبأخرة من أيام هذه الدولة يقتتل ضرغام وشاور على الوزارة ويفزع شاور إلى البطل المغوار نور الدين صاحب حلب مستنجدا به ويهجم حينئذ أملريك الصليبى صاحب بيت المقدس على مصر ويتقدم حتى بلبيس، ويقطع المصريون عليه الجسور والسدود فيضطر إلى العودة. ويقدم سنة ٥٥٩ شاور ومعه عساكر نور الدين بقيادة شيركوه وابن أخيه صلاح الدين، ويمكّنان لشاور فى الوزارة، وسرعان ما يقلب ظهر المجن لشيركوه وجنوده،

<<  <  ج: ص:  >  >>