للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرسلان البساسيرى فى بغداد فيقطع خطبة الخليفة العباسى فى عاصمته ويخطب للمستنصر ويدعو له على المنابر نحو عام إلى أن قضى عليه وعلى فتنته أو دعوته السلطان طغرلبك السلجوقى. ويحدث فى أيام المستنصر غلاء عظيم تظل مصر تعانيه سبع سنوات كسنى يوسف المهلكة، بدأت فى سنة ٤٥٧ وظلت حتى سنة ٤٦٤ وفيها اشتد القحط بالبلاد واستولى عليها الخراب والوباء وكان الناس إذا مشوا تساقطوا فى الطرقات من الجوع، ويقال إن الرغيف بيع بخمسين دينارا وإن البيضة بيعت بدينار وتوجهت أم المستنصر وبناتها فى سنة ٤٦٢ إلى بغداد من فرط الجوع. وزاد طين هذا الغلاء بلّة نشوب حرب فى الجيش بين الترك والسودان، وكادت لا تبقى فى قصر الخليفة تحفة نفيسة إلا بيعت بأرخص الأثمان. وبدا من الصعب إنقاذ مصر من كل هذا البلاد لولا أن استنجد المستنصر فى سنة ٤٦٨ ببدر الجمالى، وكان قد تولى الشام والسواحل للمستنصر، فاستدعاه وفوّض الأمور إليه، فاستقامت بحسن تدبيره وهدأت الفتن وأصبح الحكم والأمر كله له وليس للمستنصر إلا الاسم ومات قبله بأشهر، فعهد إلى ابنه الأفضل بالقيام مكانه، ويتلقب شاهنشاه أو ملك الملوك ولا يلبث المستنصر أن يتوفى سنة ٤٨٧. ويقال إنه قد عهد من بعده إلى ابنه الأكبر نزار، غير أن الأفضل الجمالى كان يكرهه، فلما اجتمع الأمراء والخواص بعد وفاة المستنصر حبّبهم فى أن يخلفه ابنه أحمد، فبايعوه بالخلافة وجعلوا أو جعل الأفضل لقبه المستعلى. وأحدث ذلك انقساما بين إسماعيلية مصر وإسماعيلية إيران فبينما كان الأولون يعترفون بإمامة المستعلى كان الأخيرون لا يعترفون بإمامته إنما يعترفون بإمامة نزار ويرون أن سلالته هم الأئمة الحقيقيون، وحاول نزار أن يسترد الخلافة فثار بالإسكندرية وقضى الأفضل على ثورته. ولا يزال هذا الخلاف قائما بين الإسماعيلية فى الهند إلى اليوم، فالبهرة مستعلية وشيعة أغاخان نزارية. ولم يكن للمستعلى مع الأفضل حكم، كما كان حال أبيه المستنصر مع بدر الجمالى، وظل ذلك حال الخلفاء مع الوزراء إلى نهاية دولتهم الفاطمية، فقد أصبح الخلفاء الفاطميون وراء الحجاب ولا أمر لهم ولا نهى إلا أن يخرجوا فى مواكب أول العام الهجرى ولصلاة الجمعة فى رمضان وصلاة العيدين.

ولعل الحكم الوراثى لم يتضح شره ولا عواقبه الوخيمة كما اتضح فى عهد الفاطميين بمصر، فقد كان الخليفة الثالث وهو الحاكم-مجنونا أو مخبولا، وتولى المستنصر وهو فى السابعة من عمره كما مرّ بنا، وكأنما جئ بالخلافة أرجوحة للصبى، وتوفى المستعلى سريعا سنة ٤٩٥ فأقام الأفضل ابنه الآمر مقامه وهو فى الخامسة من عمره، والبلاد فى أشد الحاجة إلى حاكم حازم، فالسلاجقة

<<  <  ج: ص:  >  >>