وتارة يبيحها، وكان ينهى عن بعض المأكولات مثل الملوخيا والترمس والجرجير والسمك لا قشر له والزبيب. وحرّم الخمر وشدّد فى تحريمها، ورأى لذلك منع بيع العنب وقطع كرومها، وأراق فى النيل خمسة آلاف جرّة عسل خشية أن تصير نبيذا. وفى سنة ٤٠٤ منع النساء من الخروج إلى الطرقات ليلا ونهارا، ومنع لذلك الأساكفة من صنع الأحذية والخفاف لهن وظل ذلك حتى نهاية حكمه. وحرّم-فيما حرّم-الغناء ولعب الشطرنج والنزهة على ضفاف النيل، إلى غير ذلك مما يصور خبله وشذوذه وفساد عقله. وكان دعاة عقيدته الإسماعيلية لا يزالون يشيعون-مستضيئين بنظرية الفيض الأفلاطونية-أن للإمام الفاطمى نسبتين نسبة إلى عالم القدس ونسبة إلى عالم الطبيعة، مما أدى بالحاكم إلى أن يظن أنه تجسد للذات الإلهية وأغراه بذلك دعاته، وفى مقدمتهم داع درزى من جبال لبنان، ويقال بل هو أعجمى دعا فى تلك الجبال بربوبيته وتبعه الناس هناك. وانسابت من هذه العقيدة عقيدة التجسد للذات الإلهية شعبة إلى النّصيرية فى سوريا، إذ يؤمنون بربوبية على بن أبى طالب. ولما لم يعد فى قوس الصبر منزع حيكت مؤامرة لقتله وتخليص البلاد من شره وخبله، فقتل فى شوال من سنة ٤١١ ويقال إن أخته ست الملك هى التى دبّرت قتله.
وولى الخلافة الفاطمية بعد الحاكم ابنه الظاهر، وله ست عشرة سنة، وقامت عمته ست الملك بتدبير دولته أحسن قيام وبذلت الأموال الكثيرة فى الجند وساست الناس سياسة حسنة، واستقام الأمر للظاهر، وعدل فى الرعية، وأعلن البراءة من عقيدة النّصيرية والدّرزيّة جميعا.
وحوالى سنة ٤٢٠ خرج عليه صالح بن مرداس الكلابى واستولى على حلب، كما خرج حسان بن المفرج البدوى والى مدينة الرّملة وتغلب على أكثر الشام، وجمع هو وصالح بن مرداس الجموع لحرب الظاهر ولقيتهما جيوشه عند غزة، فانهزم حسان وقتل صالح، وعادت الشام إلى الطاعة.
وبنى الظاهر قصر اللؤلؤة وكان جوادا سمحا حليما محبّبا للرعية.
وتوفى الظاهر سنة ٤٢٧ وخلفه ابنه المستنصر وهو فى السابعة من عمره، وظل فى الخلافة ستين سنة وأربعة أشهر، واستوزر كثيرين كان من بينهم صدقة بن يوسف الفلاحى استوزره سنة ٤٣٦، وكان يدبّر له الدولة أبو سعد التسترى اليهودى، وقتلا فى سنة ٤٣٩. ويؤسس محمد بن على الصليحى دولته الصليحية فى اليمن ويعلن ولاءه للمستنصر، ويدعو له على المنابر هناك، ونتقدم حتى سنة ٤٤٣ وإذا المعز بن باديس يعلن العصيان فى المغرب، ويقطع الخطبة للمستنصر ويخطب لبنى العباس، وبذلك تخرج المغرب من طاعة الفاطميين. وما توافى سنة ٤٥٠ حتى يعظم شأن