للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل قبيلة-خطة عرفت بها وبنيت حاراتها من يومئذ، من مثل حارة الروم والحسينية والخرشتف.

ولم يلبث أن ضم الشام إلى مصر سنة ٣٥٩ وخطب للمعز فيهما وفى الحرمين. وفى نفس السنة- ٣٥٩ أمر المؤذنون أن يؤذنوا بحىّ على خير العمل. وظل جوهر مستقلا بتدبير مصر والشام أربع سنين وعشرين يوما إلى أن وصل المعز سنة ٣٦٢ وكان عاقلا حازما أديبا، وتروى له بعض أشعار، وهو يعدّ المؤسس الحقيقى للدولة الفاطمية، ولم تبق بلد من الشام إلى فاس والمحيط الأطلسى إلا أقيمت فيه دعوته وخطب له فى جمعته وجماعته إلا «سبتة» فإنها كانت مع الأمويين أصحاب قرطبة كما ذكرنا. ولما استقرت له الأمور بمصر استخلف على إفريقية يوسف بلكّين بن زيرى الصّنهاجى. واستمر جوهر فى علو منزلته إلى سنة ٣٦٤ إذ رأى المعز أن يعزله عن دواوين مصر وجباية أموالها، ورد إليه العزيز مكانته حتى وفاته سنة ٣٨١.

وتوفّى المعز سنة ٣٦٥ بعد أن وطّد الملك العظيم لأبنائه وأحفاده يتوارثونه نحو مائتى عام، وخلفه ابنه العزيز نزار، وكان كريما شجاعا، يعفو عند المقدرة محبا للصيد وخاصة صيد السباع، وكان ينظم الشعر لكن لا يبلغ فيه مبلغ أخيه تميم. واتسعت مملكته بالقياس إلى مملكة أبيه ففتحت له بقية بلاد الشام: حمص وحماة وشيزر وحلب، وخطب له بالموصل وباليمن. وعهد إلى غير وزير بتدبير مملكته، منهم يعقوب بن كلّس وكان يهوديا وأسلم. وبنى قصر البحر، ولم يكن له مثيل شرقا ولا غربا، وقصر الذهب. وقال ابن الجوزى إنه ولّى عيسى بن نسطوروس النصرانى ومنشا اليهودى فكتبت إليه سيدة مصرية بالذى أعزّ اليهود بمنشا والنصارى بابن نسطوروس وأذلّ المسلمين بك إلا نظرت فى أمرى، فقبض عليهما وأخذ من ابن نسطوروس ثلاثمائة ألف دينار.

ويروى أنه كان يقول: «أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة وأرى عليهم الذهب والفضة والجوهر ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار وأن يكون ذلك كله من عندى».

ومازال العزيز رفيقا برعيته حتى توفى سنة ٣٨٦ وخلفه ابنه الحاكم، وكان فى الحادية عشرة من عمره ولم يكن سوىّ العقل ولا النفس، فاضطرب سلوكه واضطرب حكمه بين جبن وشجاعة وبخل وسخاء، وتارة يجلس فى الشمع ليلا ونهارا، وتارة يجلس فى الظلام الدامس، وحينا يحبّ العلماء والصلحاء، وحينا يفتك بهم فى غير رحمة، وقتل كثيرين من قادة دولته وأصحاب مناصبها الرفيعة. وتارة يأمر بأن يكتب على المساجد والجوامع سبّ أبى بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وتارة ينهى عن ذلك. وتارة يمنع من صلاة التراويح

<<  <  ج: ص:  >  >>