وابن أخيه صلاح الدين بن أيوب، وتطورت الظروف كما مرّبنا، فقضى صلاح الدين نهائيا على الدولة الفاطمية، وردّ مصر إلى الخلافة العباسية، واستولى على قصر الفاطميين وما كان به من أموال وكنوز. وجدّ فى إصلاح أحوال مصر، فحطّ عن كواهل المصريين أثقال الضرائب الباهظة التى كان يتنافس وزراء الفاطميين فى فرضها، وبذل الأموال، وملك قلوب الرجال، وطمحت نفسه إلى أن يصبح واليا للخلافة العباسية بمصر، إذ نراه يلمّح فى الرسالة التى كتب بها إلى وزير بغداد، ينبئه فيها بإزالة الدعوة الفاطمية وإقامة الدعوة العباسية، إلى ما يدور بخلده قائلا عن نفسه:«إنه مفتقر إلى أن. . يقلّد ما فتح، ويبلغ ما اقترح، ويقدّم حقه ولا يطّرح، ويقرب مكانه وإن نزح، وتأتيه التشريفات الشريفة». ويأخذ فى إعداد جيش قوى للقاء الصليبيين وينحّى منه العناصر الزنجية والأرمنية التى كانت تعمل فى جيش الفاطميين.
ويطمح إلى الاستيلاء على فلسطين باب مصر الشرقى، ويحاصر الشوبك فى سنة ٥٦٧ ويرفع الحصار عنها حين علم أن نور الدين يجهّز الجيوش لحرب الصليبيين وكأنه خشى لقاءه، ومع ذلك كان يعدّ نفسه تابعا له، وكان الخطباء فى مصر يدعون فى آخر خطبهم لنور الدين. وعاد صلاح الدين فى السنة التالية إلى حصار الشوبك والكرك، ثم رفع الحصار، وإن كان قد استولى على أيلة (العقبة). وفى سنة ٥٦٩ يستأذن نور الدين فى إنفاذ أخيه توران شاه على رأس جيش إلى اليمن للقضاء على خارجى هناك استفحل شأنه وكذلك على بقية الدعاة للفاطميين، ويذهب إليها ويستولى عليها. وفى هذه السنة قبض على جماعة من شيعة الفاطميين كانوا يدبرون مؤامرة لقتله وكان من بينهم داعى دعاة الفاطميين وعمارة اليمنى الشاعر، وقتل داعى الدعاة وصلب عمارة.
وفى هذه السنة توفى نور الدين، وخلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل، وكان فى الحادية عشرة من عمره، وبدا فى وضوح أنه لا يصلح للنهوض بأعباء الحكم وجهاد الصليبيين. واعترف صلاح الدين بسلطانه، وأمر بالدعاء له فى خطبة الجمعة وسكّ النقود باسمه. ولم يبادر بالتجهيز إلى الشام لانشغاله بأسطول لنورمانديى صقلية هاجم الإسكندرية وحاقت بالأسطول الهزيمة، وأيضا لانشغاله بثورة فى جنوبى بلاد الصعيد أشعلها موال للفاطميين يسمى الكنز ودارت عليه الدوائر. ومرّ بنا آنفا أنه أرسل أخاه توران شاه للاستيلاء على اليمن ومفاتيح البحر الأحمر، ونراه يسيّر عسكرا بعد عسكر إلى بلاد المغرب الأفريقى ودانت له بالطاعة برقة وقسطيلية وقفصة وتوزر مما يدل على أنه فكر مبكرا فى وحدة البلاد العربية التى أرادها نور الدين. وها هو مبكرا قد أصبح