للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض البلاد الساحلية، واضطرّ إلى الصلح مع صلاح الدين على أن تظل للصليبيين المدن الساحلية من صور إلى يافا، وسمح صلاح الدين للنصارى أن يزوروا القدس حجّاجا عزّلا من السلاح. وسار صلاح الدين إلى دمشق ولم يلبث أن لبّى بها نداء ربه فى صفر سنة ٥٨٩ فبكاه الناس وذرفوا عليه الدموع الغزار. وسنقف فى غير هذا الموضع عند عنايته بالعمارة والبيمارستانات والمدارس، وقد أشاع الرخاء فى مصر بما أسقط عن كواهل الناس من المكوس والضرائب الباهظة. وكان محبا للعدل، وكانت سماحته فى معاملة الصليبيين مضرب الأمثال بينهم، ولا يزال مؤلفو الغرب ينوّهون بها إلى اليوم، وكان رفيقا برعيته عطوفا على أهل العبادة والصلاح.

وكان قد قسم فى سنة ٥٨٢ البلاد بين أبنائه وأهله، فأعطى ابنه العزيز عثمان مصر وجعل أخاه العادل أتابكا له (مدّبرا لدولته) وأعطى ابنه الأفضل دمشق وأعطى ابنه الظاهر حلب، وأعطى ابن أخيه تقى الدين عمر بلدانا فى شمالى الشام وميافارقين بديار بكر، وعاد صلاح الدين قبل وفاته فجعل للعادل الموصل وديار بكر والكرك والشوبك. وتوفى فخلقه على مصر العزيز عثمان سنة ٥٨٩ وكان بارّا بالرعية عادلا منصفا، بينما كان أخوه الأفضل فى دمشق يسير فى الناس هو ووزيره ضياء الدين بن الأثير سيرة سيئة، فرأى أن يأخذها منه، وجهز لذلك جيشا ساربه إلى دمشق، غير أن أخاه الأفضل استنجد بعمه العادل فأصلح بين الأخوين، وانصرف العزيز عثمان إلى مصر، وظل الأفضل ووزيره سادرين فى غيّهما، مما جعل العادل يكتب إلى العزيز بوجوب أخذ دمشق، والتقيا بها سنة ٥٩٢ وأرغما الأفضل على تركها إلى صرخد سنة ٥٩٤ واستخلف العزيز عثمان على دمشق المعظم عيسى ابن عمه العادل. وعاد إلى مصر يحكمها حكما رشيدا حتى توفى سنة ٥٩٥. وخلفه ابنه المنصور وكان صبيّا فى العاشرة من عمره، فاستقدم الجند الأفضل ليدبر له الحكم، وما إن وضع قدمه فى مصر حتى كاتب أخاه الظاهر فى حلب، مزينا له الهجوم معه على دمشق وأخذها من ابن عمهما المعظم عيسى، والتقى جيشاهما هناك، ولكن العادل عرف كيف يوقع بينهما، وعاد الأفضل بجنوده إلى مصر، فتبعه عمه العادل، وعرض عليه أن يترك القاهرة ويأخذ ميافارقين وديار بكر، ولم يجد بدّا من القبول، وسرعان ما أخذ العادل فتوى من الفقهاء بأنه لا تجوز ولاية الصغير على الكبير، وعند ذلك قطع فى سنة ٥٩٦ الدعاء فى خطبة الجمعة للمنصور، وأمر بالدعاء له ولابنه الكامل من بعده.

وأصبح العادل منذ هذا التاريخ حتى سنة ٦١٥ سلطانا لمصر، مع ما كان بيده من فلسطين ودمشق والجزيرة وديار بكر والموصل. ولما استقامت له الأمور فى كل تلك الدولة قسمها بين

<<  <  ج: ص:  >  >>