للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الديوان الصغير ينعقد كل يوم ويبلغ قراراته إلى الوالى، وبالمثل كانت قرارات الديوان الكبير تبلّغ إلى الوالى ويعمل على تنفيذها جميعا.

وظل المماليك-منذ سليم-يمثلون فى البلاد سلطة ثالثة بجانب سلطتى الجند والوالى، إذ جعلوا حكاما للأقاليم، وكان كل منهم يسمى سنجقا: اسما تركيا، كان فى الأصل يعنى البيرق، إذ كان السنجق عادة يتسلم بيرقا فسمّى باسمه وسميت مديريته باسم السنجقية، وأعطوا أيضا لقب بك، فكان هناك الوالى الباشا والسناجقة المماليك البكوات، وكانوا يشرفون على مديرياتهم من الناحيتين الإدارية والمالية، وكان لهم نواب يسمون الكشّاف جمع كاشف. وكان يتبع الكشاف الملتزمون وهم من التزموا بدفع ضرائب معينة عن قرية أو قرى، وكانت للملتزمين سلطة واسعة على الفلاحين فهم يعتصرونهم اعتصارا دون شفقة أو رحمة، والفلاحون يتصبّبون عرقا لكى ينعم الملتزم والكاشف والسنجق، وما يزالون يثقلون عليهم بالضرائب والإتاوات ويرهقونهم من أمرهم عسرا، حتى أصبحوا يعانون ما لا يطاق من البؤس والفاقة. وبذلك كسدت الزراعة، كما كسدت التجارة منذ استولى العثمانيون على مصر وكشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح وتحولت تجارة أوربا والهند إليه. وزاد الأمور سوءا أن العثمانيين اتبعوا سياسة مستمرة أن لا يظل الوالى فى مصر إلا مدة قليلة قد تكون عاما وقد تكون أقل من عام، فلم يشعر الولاة بشئ من الاستقرار، وكأنهم كانوا يجيئون ليدخروا لأنفسهم شيئا من مال، وكانوا يذهبون دون أن يفكروا فى أى إصلاح، ويكفى أن نعرف أنه حكم مصر حتى مجئ نابليون مائة وخمسون واليا عثمانيا.

وكانت الدولة العثمانية قد أخذت تضعف منذ القرن الثانى عشر الهجرى أو السابع عشر الميلادى ضعفا شديدا فأخذ سلطان السناجق المماليك يقوى، وخاصة أنه كانت بيدهم أزمّة الشئون الإدارية والمالية فى البلاد، وأيضا فإن العثمانيين كانوا يتخذون منهم فى القاهرة زعيما لهم يسمونه شيخ البلد، فأخذت مشيخته أو سلطته تقوى، حتى غدا مناظرا أو مماثلا للوالى العثمانى.

وبلغ من سلطان شيخ البلد ومماليكه أن كانوا أحيانا يعزلون الولاة، وربما جاءهم وال لا يرضونه، فكانوا يمتنعون عن تهنئته، ولا يحضرون قراءة المرسوم بتوليته، حينذ لا يجد بدّا من حمل حقائبه والعودة إلى القسطنطينية فكان طبيعيّا أن يفكر بعض شيوخ البلد من زعماء المماليك فى الاستقلال بمصر، وتولى على بك الكبير مشيخة البلد، وصمم على الاستقلال، ولم يلبث أن خلع الوالى التركى سنة ١١٨٣ هـ‍/١٧٦٩ م وأعلن استقلال مصر عن الدولة العثمانية وضرب السكة

<<  <  ج: ص:  >  >>