باسمه، وفتحت جيوشه معظم جزيرة العرب ونادى به شريف مكة: سلطان مصر وخاقان البحرين. وأرسل قائدا من قواده وهو محمد بك أبو الذهب لفتح سوريا، وفتحت له دمشق وغيرها من مدن الشام أبوابها. غير أن الباب العالى العثمانى لم يلبث أن استغواه بما وعده به من الولاية على مصر فانقلب على سلطانه على بك الكبير، ونشبت بينهما الحرب وسقط فى ميدانها على بك سنة ١١٨٧ هـ/١٧٧٣ م. وبذلك أضاع محمد بك أبو الذهب على مصر فرصة ذهبية: أن يردّ لها استقلالها وحريتها، وظل شيخا للبلد، يولّى عليها من العثمانيين من يختاره إلى أن توفى بعد سنتين فى عام ١١٨٩ هـ. وخلفه على مشيخة البلد إبراهيم بك ومراد بك شريكين فيها، وخرجت المشيخة من أيديهما فترة إلى إسماعيل بك، وتوفى فعادت إليهما ولإبراهيم الرياسة، وأصبح شيخا للبلد إلى أن جاءت الحملة الفرنسية سنة ١٢١٣ هـ/١٧٩٨ م. وتنزل الحملة مصر وتظل تجاهدها جهادا عنيفا مريرا ثلاث سنوات، ولم ينفع نابليون قائدها ما أنشأه من مجالس شورى ألفها من بعض شيوخ الأزهر ومن كبار التجار والأعيان، وجعل لها النظر فى الضرائب وشئون الحكم.
لم يغرّ هذا الخداع المصريين فقد عرفوا أنها مجالس صورية لتنفيذ مطامعه الاستعمارية، ومازالوا يقاومون الحملة مقاومة باسلة، حتى اضطروها إلى مبارحة البلاد سريعا.
وأولى أن تدرس هذه الحملة وآثارها بمصر مع عصرها الحديث، إذ أذكت فى المصريين الشعور القومى. فلما خرجت إلى البحر المتوسط وما وراءه وعاد المصريون إلى الحكم العثمانى رأوا أن من واجبهم التخلص من نيره الظالم البغيض وأن يختاروا حاكمهم واختاروا محمد على سنة ١٢١٩ هـ/١٨٠٥ م وبدءوا بقوة نهضتهم الحديثة.