للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالى على شئون الخراج أو ضرائب الأرض، وظل لهم ذلك وحدهم طوال الأزمنة الإسلامية حتى الثلاثينيات من القرن الحاضر. وكان أهل الذمة من القبط وغيرهم يؤدون الجزية، وهى تتراوح بين دينار ودينارين سنويا، يؤديها القادر بمقدار قدرته، ولم يكن يؤديها راهب ولا شيخ ولا امرأة ولا صبى، وهى فى واقعها ضريبة دفاع لأنهم لم يكونوا يشتركون فى الحرب.

وكانت تؤخذ بجانب ذلك مكوس على الصناعات، ومن أهمها صناعة القراطيس من ورق البردى، وكانت هذه الصناعة رائجة جدّا حتى أواخر القرن الثانى الهجرى حين نقلت فى عهد الرشيد من الصين صناعة الورق وأنشى لها مصنع ببغداد. وأهم من هذه الصناعة صناعة النسيج والثياب، وقد ظلت مزدهرة طوال الحقب، وكان النساء والغلمان فى الوجه البحرى يشتركون فيها، واشتهرت بها المدن الشمالية: دمياط وشطا وتنيس ودبيق والإسكندرية، وكان من نسيج الأخيرة ما يباع بما يعادل وزنه من الدراهم، وكان ثمن الثوب الدبيقى مائة دينار وقد يبلغ مائتين، واشتهرت تنيس بثوب كانت تصنعه للخليفة منسوجا بالذهب وليس فيه من الغزل سوى أوقيتين، وكان يقدر بألف دينار. وكانت السجاجيد والأبسطة والستور تصنع بالفيوم والصعيد، وكانت تصنع الحصر فى أمكنة كثيرة، كما كانت تصنع بعض أنواع الجلود. وعلى كل هذه الصناعات كانت تؤخذ المكوس كما كانت تؤخذ على استخراج بعض المعادن وخاصة الشبّ والنطرون، وأيضا على بناء السفن. وكانت التجارة رائجة، وكان يتجر فيها كثير من الفرس والروم واليهود.

ومما يدل بوضوح على رخاء مصر فى عصر الولاة ومدى ما كان يتمتع به القبط من حسن المعاملة خبر رواه المقريزى وقع فى أثناء زيارة المأمون لمصر سنة ٢١٧ إذ مر بقرية يقال لها «طاء النمل» وكانت إقطاعية لقبطية عجوز تسمى مارية، فتعرضت له تسأله أن ينزل فى ضيافتها مع حاشيته ومن يرافقه من جنده، وعجب لكثرة ما قدمت من أطعمة، فلما أصبح جاءته ومعها عشر وصائف، مع كل وصيفة طبق، فظن أنها ستقدم له بعض هدايا الريف المصرى، فلما وضعت الوصائف الأطباق بين يديه إذا فى كل طبق كيس من ذهب، فشكرها وأمرها برده، فأبت إباء شديدا، وتأمّل الذهب أو الدنانير فإذا بها من ضرب عام واحد، مما يدل على أنه ربحها من عام، فقال: هذا والله أعجب. وتوسلت إليه أن يقبلها، فتمنع وقال لها: ردّى مالك بارك الله لك فيه، فأخذت قطعة من الأرض وقالت: يا أمير المؤمنين هذا الذهب من هذه الطينة التى تناولتها من الأرض ثم من عدلك يا أمير المؤمنين، وعندى من هذا الذهب شئ كثير. فأخذه المأمون لبيت المال وأقطعها عدة ضياع وأعطاها من قريتها مائتى فدان بغير خراج. ومارية إنما هى

<<  <  ج: ص:  >  >>