للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إقطاعية واحدة وكان وراءها إقطاعيون كثيرون من القبط والعرب، فإن الدولة كانت قد دأبت على أن تمنح بعض الموظفين الكبار بمصر وبعض الشخصيات العربية إقطاعيات مختلفة فى القرى المصرية. ومما يدل على الرخاء حينئذ ارتفاع رواتب الولاة وأصحاب الخراج وكبار الموظفين وحتى القاضى موضع الزهد والتقشف إذ يذكر الكندى فى كتابه «الولاة والقضاة» أن عبد الله بن طاهر والى مصر للمأمون فى سنة ٢١١ رسم لقاضى الفسطاط سبعة دنانير كل يوم. وحقّا كان يحدث أحيانا قحط أو أوبئة أو تذمّرات من كثرة الضرائب الاستثنائية التى يفرضها بعض عمال الخراج، حتى ليأخذ ذلك فى الحين الطويل بعد الحين شكل ثورة، ولكن هذا كله سرعان ما يزول، كأنه سحابة صيف سرعان ما تنقشع، ويعود إلى مصر الأمن والرخاء، فبينما مصر-كما يقول عمرو بن العاص فى رسالته المشهورة إلى عمر بن الخطاب-لؤلوة بيضاء إذا هى عنبرة سوداء.

فإذا هى زمردة خضراء، فإذا هى ديباجة رقشاء.

وكانت أسواق الفسطاط تعكس صور الرخاء فى مصر، فهى تموج بالأطعمة والحلوى والفواكه وبالطيب والمسك والعنبر وماء الورد ومختلف الأفاويه. ويبدو أن المساكن بها والغرف والحوانيت كانت تؤجّر، ويؤجّر معها الأثاث. وعرفت مصر حينئذ ضروب الملاهى من الصيد وأدواته ومن سباق الحمام وسباق الخيل، ويروى الكندى أن الوالى عليها يزيد بن عبد الله منع من حلبات السباق سنة ٢٤٢ وسرعان ما عادت سنة ٢٤٩. وكان الناس يحارشون أحيانا بين الكباش والكلاب. ويبدو أنه كانت هناك بعض دور للخمر، ولا بد أنها كانت قليلة، ويذكر ابن سعيد -إن صحّ ما يذكره-أن محمد بن أبى الليث الخوارزمى قاضى المعتصم بمصر كان يشرب النبيذ وله عليه ندماء. وكان الناس يهتمون بالغناء وما يصحبه من آلات الموسيقى والطرب، ويذكر ابن سعيد أيضا أنه لم يكن بمصر مغنية إلا ركب إليها القاضى لعهد الرشيد المسمى بالعمرى كى يسمع غناءها، وربما قوّم لها ما انكسر من غنائها وما دخل عليه من تحريف فى لحنه. وكان الناس يخرجون للنزهة فى جزيرة الروضة أمام الفسطاط وعلى شاطى النيل. وكانوا يحتفلون احتفالات كبيرة بفتح الخليج (وفاء النيل) وبالأعياد الإسلامية وأيضا بالأعياد القبطية وبعيد النيروز الفارسى لأول الربيع.

ويتولى مصر-كما مر بنا-أحمد بن طولون مكوّنا بها الدولة الطولونية، وتلقى مصر فى حجره وحجر ابنه خمارويه بكنوزها، وكان حازما بعيد النظر رءوفا بالرعية، فألقى عن كواهلها كثيرا من الضرائب التى كان قد فرضها عليها ابن المدبر عامل الخراج، وكان قد زاد عليها الضرائب،

<<  <  ج: ص:  >  >>