يسمّى باسم أو يوصف بصفة. ومضوا فأضفوا صفاته وأسماءه على أئمتهم، وبذلك رفعوهم إلى مرتبة التأليه، بل لقد حسبوهم تجسدا للذات العلية، حتى ليقول الداعى شهاب الدين أبو فراس فى كتابه «مطالع الشموس فى معرفة النفوس»: «اعلم أن الإمام الموجود للأنام لا يخلو منه زمان ولا يحوزه مكان، لأنه إلهى الذات، سرمدى الحياة، ولو لم يتأنّس إلى معرفته بالحدود والصفات لما كان للخلق إلى معرفته وصول». وكأن أبا فراس لا يصف الإمام الفاطمى وإنما يصف الله سرمدى الوجود الذى لا يحدّه الزمان ولا يحصره المكان والذى لا يعرف إلا بأسمائه وصفاته.
ولا ريب فى أن الدعاة من أمثاله هم الذين سوّلوا للحاكم بأمر الله أن يظن أو يتوهم أنه التجسد الإلهى للذات العلية، فدعا له بعض دعاته إلى عبادته. ولما طفح الكيل قتل فى ضواحى القاهرة، وأشاع أنصاره أنه اختفى وسيرجع يوما إلى الدنيا وعالمها المحسوس.
ومبدأ سابع وهو مبدأ سلبى، إذ كانوا يلغون الاجتهاد والأخذ بالقياس فى الشريعة على نحو ما هو معروف عند أهل السنة، إذ جعلوا المرجع إلى الإمام، وهو معصوم من الخطأ، والحكم إذن حكمه والفتوى فتواه دون منازع. وبذلك ألغوا حرية الفكر والرأى وما يتبعهما من الاجتهاد العقلى فى أمور الأمة والجماعة. وثبت عندهم ذلك واستقرت بسببه طاعتهم للإمام ووجوب الخضوع لأحكامه، إذ هو الوارث لعلوم أهل البيت.
وهذه هى أهم المبادئ فى العقيدة الفاطمية الإسماعيلية، ولهم فى الفقه بعض آراء خالفوا فيها الجماعة مثل المناداة فى الأذان بحىّ على خير العمل ومثل ميراث البنت لكل مال أبيها إذا لم يكن لها أخ، ومثل مسح القدمين فى الوضوء بالماء لا غسلهما. ولعل دولة عربية لم تعن بالدعاية كما عنى الفاطميون، فقد كان لهم فى كل بلد دعاة، وكانوا يقسمون العالم العربى والإسلامى إلى أقسام سموها جزائر وعينوا لكل جزيرة دعاتها، وللدعاة جميعا رئيس أعلى يسمى داعى الدعاة وباب الأبواب، ويليه الحجة وهو كبير الدعاة فى الإقليم، وصاحب التأويل الذى يعقد مجالس الحكمة ويتلو على الناس علوم أهل البيت ويأتى وراء ذلك الدعاة والنقباء من كل صنف.
ومن يحاول التعرف على دعاة هذه الدولة سيلاحظ توا أنهم كانوا غير مصريين وأنه كان بينهم المغربى والشامى والإيرانى، وكأن مصر لم تقبل على الدعوة الفاطمية، بل ظلت سنّيّة ومبتعدة عنها، وكأنها دخلتها من باب وخرجت من باب آخر، كريح مرت ولم تترك وراءها أثرا. ومعنى ذلك أن مصر لم تعتنق المذهب الإسماعيلى الفاطمى، ربما اعتنقه بعض أفراد، أما مصر الأمة والشعب فقد ظلت منصرفة عنه فى إصرار لسبب طبيعى وهو أن مصر بلد معتدل