للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنها أصبحت أربعين خزانة ملأى بنفائس المجلدات فى الحديث النبوى والفقه على سائر المذاهب والنحو واللغة والتاريخ وعلوم الأوائل، ويقال إنه لم يكن فى العالم دار كتب تماثلها وأنها كانت من عجائب الدنيا. وعلى الرغم من بيع بعض مصاحفها وكتبها فى أيام المجاعة الهائلة لزمن المستنصر فإنها ظلت زاخرة بالكتب، حتى يقال إن صلاح الدين أهدى وزيره القاضى الفاضل منها مائة ألف مجلد أودعها مدرسته الفاضلية، وظل ابن صورة دلاّل الكتب يبيع منها للناس مدة من السنين (١). وكانت هذه المكتبة الضخمة تعد أما لمكتبات القاهرة والفسطاط جميعا، فقد كانت تلحق بكل جامع خزانة للكتب، وكان الفاطميون يمدونها من حين إلى حين بما يلزمها من المصنفات، يدل على ذلك-من بعض الوجوه-ما يروى عن الحاكم من أنه أنزل من القصر إلى الجامع العتيق: جامع عمرو بن العاص بالفسطاط ١٢٩٨ مصحفا وإلى جامع ابن طولون ٨٠٠ مصحف كان منها ما هو مكتوب بالذهب (٢). وإنما نصّوا على إنزال المصاحف لجلالها، ولا بد أنهم أنزلوا معها كثيرا من الكتب. ونفس مكتبة القصر كان يختلف إلى خزائنها الخارجية العلماء والطلاب للقراءة والنسخ منها والاطلاع.

وتؤسّس فى سنة ٣٩٥ جامعة كبرى تسمى دار العلم، حمل إليها من خزائن القصر كتب كثيرة تحتوى على سائر العلوم الإسلامية والآداب والفلسفات وعلوم الأوائل، يقول المقريزى «حضرها الناس على اختلاف طبقاتهم، فمنهم من يحضر لقراءة الكتب، ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر والورق والأقلام والمحابر». وكانت بها دروس للمحدّثين والقرّاء والفقهاء وأصحاب النحو واللغة والمنجمين والأطباء والمتفلسفة، وكل هؤلاء كانت تجرى عليهم وعلى الطلاب الرواتب. وما تدخل سنة ٤٠٠ حتى يكتب الحاكم وقفيّة كبيرة للإنفاق منها على دار العلم وعلى الجوامع الكبرى، وخصّ الفراشين والحصر والحبر والورق والأقلام فى دار العلم بمائتين وسبعين دينارا سنويا. ومن المؤكد أن الحاكم كان يبتغى بهذه الجامعة أن تكون مركزا للدعوة للعقيدة الإسماعيلية بدليل أنه جعل رئيسا لها أحد دعاتها من بيت النعمان وهو عبد العزيز بن محمد بن النعمان، ويبدو أنه وجد فى ذلك ما يهدد بثورة أهل السنة المصريين، فأضاف إلى علمائها الإسماعيليين من أصحاب نحلته طائفة من فقهاء أهل السنة ومحدثيها وعلى رأسهم عبد الغنى بن سعيد الفقيه الشافعى المشهور وأكبر حفّاظ


(١) انظر فى هذه المكتبة وكل ما ذكرت عنها الخطط ٢/ ١٢٧ وما بعدها.
(٢) الخطط ٣/ ١٤٦، ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>