للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاص به، وإليه رحل الدّارقطنىّ على بن عمر أكبر محدثى العراق فى عصره، وأعانه فى تأليف مسنده مع من كان يعينه فيه من المصريين وأقام لديه مدة، وبالغ ابن حنزابة فى إكرامه، وأنفق عليه نفقة واسعة وأعطاه شيئا كثيرا وحصل له بسببه مال وفير (١).

وظل ابن حنزابة يقود الحركة العلمية بمصر طوال وزارته وقد امتدت نحو عشرين عاما من أيام كافور إلى قرب انتهاء الدولة الإخشيدية، وطبيعى ومثله يقوم على ذلك أن تمضى فى النمو والنشاط. وممن نزل مصر حينئذ المسعودى على بن الحسين المؤرخ المشهور. ومنها ذاعت كتبه التاريخية وفى مقدمتها كتابه مروج الذهب، وظل مقيما بها حتى لبّى نداء ربه سنة ٣٤٥ وقيل بل سنة ٣٤٦.

وتزداد الحركة العلمية نموا ونشاطا فى زمن الدولة الفاطمية، إذ عمل الخلفاء الفاطميون ووزراؤهم على دفع هذه الحركة دفعا قويا، وما تكاد تمضى سنوات فى عهد هذه الدولة حتى نجد الخليفة العزيز (٣٦٦ - ٣٨٦ هـ‍) يرسم راتبا لسبعة وثلاثين من الفقهاء ويبنى لهم دارا بجوار الجامع الأزهر (٢) الذى كانوا يتخذونه مقرّا لدعوتهم الإسماعيلية. ولا نعرف هل كان الفقهاء جميعا إسماعيلية أو كان بينهم نفر من أهل السنة، على أننا نجد ابنه الحاكم يسند إلى فقيهين مالكيين التدريس فى هذا الجامع (٣)، مما يدل على أنه تحول سريعا إلى جامعة كبرى للدراسات الدينية واللغوية. وفى أخبار وزير العزيز ابن كلّس أنه كان يجرى بأمره ألف دينار شهريا على جماعة من أهل العلم والورّاقين والمجلّدين (٤)، مما يدل على أنه نشأت حينئذ حركة علمية كبرى لا للدراسات العلمية فحسب، بل أيضا لنسخ المخطوطات فى مختلف العلوم والآداب. وأكثر دلالة على ذلك ما يروى من أن العزيز عنى بإنشاء مكتبة فى القصر، كان بها ما يزيد على مائة ألف مجلد، وفى رواية على مائتى ألف (٥)، وكان أمينه القائم عليها الشابشتى (٦) على بن محمد صاحب كتاب الديارات، ويقال إنه كان بها أكثر من ثلاثين نسخة من معجم العين المنسوب إلى الخليل بن أحمد، وأكثر من عشرين نسخة من تاريخ الطبرى، ومائة نسخة من معجم الجمهرة لابن دريد. وما زال العزيز يعنى بهذه المكتبة هو ومن جاء بعده من الخلفاء الفاطميين، حتى قيل


(١) ابن خلكان ١/ ٣٤٧، ٣/ ٢٩٨.
(٢) صبح الأعشى ٣/ ٣٦٣ والخطط ٣/ ١٥٧، ٢٧٥.
(٣) النجوم الزاهرة ٤/ ١٧٨.
(٤) الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى لآدم ميتز ١/ ٢٥٠ نقلا عن يحيى بن سعيد الأنطاكى.
(٥) النجوم الزاهرة ٤/ ١٠١ والخطط ٢/ ١٢٨.
(٦) ابن خلكان ٣/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>