للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو العباس بن سريج (١). أما الشام فحمل إليها المذهب عن تلاميذ الشافعى أبو زرعة محمد بن عثمان المتوفى سنة ٣٠٢ إذ أدخله إلى دمشق وولى قضاءها، ولم يتوله بعده لا فى الشام ولا مصر إلا شافعى المذهب حتى عصر الظاهر بيبرس (٢). وأما الحجاز فيقول السبكى عنها إنها لم تبرح منذ ظهور مذهب الشافعى وإلى يومنا هذا فى أيدى الشافعية: القضاء والخطابة والإمامة بمكة والمدينة (٣). ويمضى السبكى قائلا إن أهل اليمن شافعية إلا أن يكونوا زيديين، ويذكر أن مذهب الشافعى شاع فى فارس، وأما أذربيجان فلا تعرف سواه. وكل ذلك بفضل تلاميذ الشافعى المصريين الذين قاموا على مذهبه خير قيام واستطاعوا نشره فى القرن الثالث عن طريق تلاميذهم حتى أقصى المشرق.

وتمضى مصر فى العناية بالدراسات الدينية لعهد الإخشيديين فى القرن الرابع ويصور ذلك من بعض الوجوه ما رواه ابن سعيد من أنه كان فى جامع عمرو للمالكيين خمس عشرة حلقة وللشافعيين مثلها ولأصحاب أبى حنيفة ثلاث حلقات (٤). ومعروف أن مصر كانت مالكية حتى قدوم الشافعى، فاقتسم مصر مذهبه والمذهب المالكى، ولم يكن للمذهب الحنفى أتباع إلا بعض من كان يتولى القضاء بها لعهد بنى العباس، ولا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة. أما جمهور القضاة فكان من المالكية، حتى إذا كنا فى أواخر القرن الثالث الهجرى انتقل القضاء من أيديهم نهائيا إلى الشافعية كما مر بنا آنفا فى حديث السبكى. وأتيح للمذهب الحنفى إمام مصرى كبير من أئمته هو أبو جعفر الطحاوى المتوفى سنة ٣٢١ فهيأ له بمصر حياة لم تكن له من قبل، وهى التى أتاحت لقيام الحلقات الثلاث التى يدرس فيها الفقه الحنفى كما ذكر ابن سعيد. وتأخذ الدراسات اللغوية والنحوية فى النمو بمصر منذ عهد الدولة الطولونية ويؤمها الأخفش الصغير تلميذ المبرد، ويظل هذا النمو مطردا فى زمن الدولة الإخشيدية، ويقصدها الطلاب المغاربة والأندلسيون ويحملون عنها المعاجم وكتاب سيبويه وغير ذلك من كتب اللغة والنحو.

وعملت الدولة الإخشيدية على إنماء الحركة العلمية وساعدها على ذلك أنه كان يضطلع بالوزارة لها مدة متطاولة جعفر بن الفضل بن الفرات المعروف باسم ابن حنزابة وكان يغدق على العلماء ويجزل صلاتهم، فقصده الأفاضل-كما يقول ابن خلكان-من البلدان الشاسعة، وكان من حفاظ الحديث النبوى وكان له مجلس فى المسجد يمليه فيه على الناس، وعنى بتأليف مسند


(١) السبكى ٢/ ٣٠١ وانظر ٣/ ٢١.
(٢) السبكى ٣/ ١٩٧ وحسن المحاضرة ١/ ٣٩٩.
(٣) السبكى ١/ ٣٢٧.
(٤) المغرب لابن سعيد (قسم الفسطاط) ص ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>