للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٧٠ هـ‍) بل قبل زمنه بعشرات السنين تصبح مقصدا للعلماء وطلاب العلم لا من المغرب والأندلس فحسب، بل أيضا من الشام والعراق وإيران وخراسان. وقد نزلها خمسة من أصحاب الصحاح يكتبون الحديث النبوى عن علمائها، وهم البخارى وأبو داود ومسلم وابن ماجة والنسائى (١) وأقام فيها الأخير واتخذها مسكنا ودارا له، وكان ينزل فى زقاق القناديل، وأملى بها سننه، وأخذها عنه الناس من المصريين وغيرهم.

وكان ابن طولون وغيره من ولاة مصر وحكّامها ييرون من ينزل بها من العلماء وطلاب العلم، يدلّ على ذلك من بعض الوجوه ما يروى من أن ابن جرير الطبرى المؤرخ والمفسر المشهور المتوفى سنة ٣١٠ نزلها وهو فى نحو الثلاثين من عمره سنة ٢٥٣ وتركها قليلا إلى الشام ثم عاد إليها سنة ٢٥٦ ليتزود مما لدى علمائها من الحديث والفقه. وكان شافعيا، وجمعت الرحلة بينه وبين أبى بكر محمد بن إسحق بن خزيمة النيسابورى المتوفى سنة ٣١١ حامل قراءة ورش عن يونس بن عبد الأعلى وفقه الشافعى عن تلميذيه: المزنى والربيع بن سليمان المرادى إلى موطنه: نيسابور بخراسان، وأيضا محمد بن نصر المروزى المتوفى سنة ٢٩٤ حامل فقه الشافعى إلى سمرقند عن المزنى وغيره من تلاميذه، وكذلك محمد بن هرون الرويانى المحدّث وله مسند. جاءوا جميعا إلى الفسطاط يدرسون على شيوخه، ويقال إنهم اجتمعوا يوما ولم يبق عندهم ما يمونهم، وكان والى مصر قد علم بأمرهم-وأكبر الظن أنه ابن طولون-فأرسل إلى كل منهم مائة دينار، ويقال إنه أرسل إليهم ألف دينار (٢). وإذا كان طلاب العلم تغدق عليهم الأموال بمصر فما بالنا بما كان يغدق على علمائها.

وما نصل إلى أواخر القرن الثالث حتى تكون مصر قد نشرت مذهب الشافعى فى خراسان عن طريق أبى بكر بن إسحق النيسابورى ومحمد بن نصر وأيضا عن طريق عبدان المروزى الذى تفقه على المزنى والربيع بن سليمان، ويقول السيوطى إنه هو الذى أظهر مذهب الشافعى فى خراسان (٣)، وظلت مصر منذ هذا التاريخ من أهم بيئاته. ومن أهم تلاميذ أصحاب الشافعى المصريين أبو القاسم الأنماطى عثمان بن سعيد المتوفى سنة ٢٨٨ وفيه يقول السبكى: هو الذى اشتهرت به كتب الشافعى ببغداد، وعليه تفقّه شيخ المذهب هناك وحامل لوائه فى بغداد والعراق


(١) حسن المحاضرة ١/ ٣٠٦، ٣٠٩ وطبقات الشافعية للسبكى (طبعة عيسى البابى الحلبى بالقاهرة) ٢/ ٧، ١٧١، ٣/ ١٥.
(٢) معجم الأدباء ١٨/ ٤٦ وحسن المحاضرة ١/ ٣١٠.
(٣) حسن المحاضرة ١/ ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>