للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزوّد إلى يوم الممات فإنّه ... ولو كرهته النفس آخر موعد

وإذا أخذنا نقرأ فى أشعاره لقيتنا فيها حكم كثيرة، وهو ينثرها نثرا خلال الموضوعات المختلفة التى يلم بها، فمن ذلك قوله:

وكنت إذا ما جئت يوما لحاجة ... مضت وأجمّت، حاجة الغد ما تخلو (١)

وقوله الذى أنشدناه:

وهل ينبت الخطّىّ إلا وشيجه ... وتغرس إلا فى منابتها النّخل

وقوله:

كذلك خيمهم، ولكلّ قوم ... إذا مسّتهم الضّرّاء خيم (٢)

وقوله الذى أنشدناه:

فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت ... ولكنّ حمد الناس ليس بمخلد

وقوله:

فإن الحقّ مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء (٣)

وكان عمر بن الخطاب يعجب بهذا البيت ويتعجب من صحة القسمة فيه، ويقول: لو أدركته لوليته القضاء لحسن معرفته ودقة حكمه (٤)

ولعل فى كل ما قدمنا ما يوضح مكانة زهير فى الشعر الجاهلى، فقد كان شاعرا من طراز ممتاز، شاعرا له نظراته فى الحياة والأخلاق، وهو إلى ذلك شاعر مصور يحسن أدوات صناعته من جميع وجوهها، فقد تمرس بنماذج أوس وغيره من فحول الجاهلية، ولم يكد ينظم أشعاره حتى ذاع اسمه فى القبائل، فالتمسه بعض الشبان يتعلمون عليه هذه الصناعة الدقيقة التى يحسنها إلى أبعد حد، ونبغ


(١) مضت وأجمت: مضت حاجة الأمس ودنت حاجة الغد. ما تخلو: يريد: لا يخلو المرء من حاجة فحاجة من عاش لا تنقضى.
(٢) الخيم: الشيمة والخلق.
(٣) النفار: المنافرة إلى شيوخ القبائل الحكم. الجلاء: انكشاف الأمر.
(٤) الصناعتين للعسكرى (طبعة عيسى الحلبى) ص ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>