للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمر والميسر كما قدمنا فى غير هذا الموضع. واقرأ مدائحه وأنعم النظر فيها فستراه يمثل لك فى هرم والحارث بن أبى عوف وحصن بن حذيفة صورة السيد الفاضل، لا من حيث الشجاءة والكرم فحسب، بل أيضا من حيث الحلم والعفو عن المسئ فى العشيرة والدفع بالمعروف من القول والحدب على الفقراء وتجنب الفواحش والآثام.

واقترنت هذه الصورة المثالية للسيد الفاضل فى شعره بكثير من الحكم والدعوة إلى مكارم الأخلاق. وقد ذيّل المعلقة بطائفة من الأبيات التى تذهب هذا المذهب، وقدمنا أن الأصمعى كان يشك فيها ويقول إنها لشاعر أنصارى يسمى صرمة، ويظهر أن حكما له اختلطت بحكم لهذا الشاعر، ونستطيع أن نفرد منها له مثل قوله:

ومن يعص أطراف الزّجاج فإنه ... يطيع العوالى ركّبت كلّ لهذم (١)

فإن هذا البيت يتفق وما لاحظناه عنده من ميله إلى إخراج أفكاره ومعانيه فى صور متلاحقة. فقد أراد أن يقول من أبى الصلح لم يكن له بد من الحرب، فلم يقل ذلك مباشرة، بل ذهب يبحث عن صورة تمثل الصلح عندهم، وسرعان ما لمعت فى خياله عادة كانت معروفة لديهم، وهى أن يستقبلوا أعداءهم إذا أرادوا الصلح بأزجة الرماح، ومن ثم قال «ومن يعص أطراف الزجاج» يريد «ومن لا يطع الدعوة إلى الصلح والسلام» ومضى يمثّل الدخول فى الحرب بإطاعة أسنة الرماح والسيوف. وفكرة البيت متصلة بالمعلقة وما تدعو إليه من السلام والاستجابة إلى الصلح. وقد تكون الأبيات التى تتصل بفكرة الحياة والموت صحيحة النسبة إلى زهير لأنها تتصل كالبيت السابق بموضوع القصيدة، كقوله:

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمّر فيهرم

وفى البيت أيضا صورة بديعة، إذ يشبه الموت بناقة عشواء لا تبصر طريقها، فهى تخبط الطريق خبطا أعمى ليس له نظام ولا قياس. والتفكير فى الحياة والموت يكثر عند زهير كقوله فى إحدى قصائده لهرم:


(١) الزجاج: جمع زج وهو الحديدة فى أسفل الرمح. والعوالى: سنان السيرف والرماح. اللهذم: السنان القاطع. وواضح أنه جعل رفع كعوب الرماح كناية عن الصلح والمسالمة إذ كانت تلك عادتهم فى الجاهلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>