للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما مر بنا، ولم يلبث أن قتله سنة ٤٠١ وولّى بعده مالك بن سعيد الفارقى، ولم يلبث أن سفك دمه (١). وإذن فقتل الحاكم لجماعة من أهل السنة ليس دليلا كافيا على اضطهاد الفاطميين لهم إذ كان لا يبقى ولا يذر من كبار دعاته وقضاته ورجال دولته الإسماعيليين.

ومما يذكر من اضطهاد الفاطميين لفقهاء أهل السنة أن الخليفة الظاهر (٤١١ - ٤٢٧ هـ‍) أمر بطرد (٢) الفقهاء المالكية من مصر أى الفسطاط سنة ٤١٦. وينقض هذا الخبر كتاب رواه عنه صاحب النجوم الزاهرة حمل فيه حملة شعواء على من يؤلّهون عليا وأباه الحاكم، وفيه يقول:

«قالوا فى آبائنا وأجدادنا منكرا من القول وزورا، ونسبونا بغلوهم الأشنع، وجهلهم المستفظع إلى ما لا يليق بنا ذكره، وإنا لنبرأ إلى الله تعالى من هؤلاء الجهلة الكفرة الضّلاّل» (٣). ومثله لا يضطهد المالكية ولا ينفيهم من البلاد. وكان لا يزال بمصر فى عهده عبد الوهاب بن على البغدادى المالكى أحد الأئمة المالكية المجتهدين فى المذهب، نزل مصر لضيق حاله ببغداد وتوفى بها سنة ٤٢٢ يقول السيوطى: «أكرم بمصر وتموّل وسعد جدّا، ومرض فكان يقول فى مرضه: لا إله إلا الله عندما عشنا متنا (٤)». فمصر فى عهد الخليفة الظاهر وقبله وبعده كانت لا تزال مركزا كبيرا للإشعاع العلمى والدراسات الدينية، ينزلها العلماء ليشاركوا فى نهضتها العلمية، وينزلها طلاب العلم ليتزودوا منها خير زاد. ونضرب مثلا بمكى بن أبى طالب القيسى القيروانى المتبحر فى القراءات المتوفى سنة ٤٣٧ والمولود سنة ٣٥٤ فقد جاءها يطلب العلم فيها سنة ٣٦٧ ثم عاد إليها سنة ٣٧٤ ورحع إلى بلده ثم عاد سنة ٣٧٧ لأخذ القراءات عن شيوخها ورجع إلى القيروان سنة ٣٨٠ ثم عاد سنة ٣٨٢ لاستكمال القراءات، ومضى بعد سنوات إلى جامع قرطبة بالأندلس يقرى فيه الناس (٥). ومثله أبو عمر والدانى الأندلسى نزل مصر سنة ٣٩٧ وحمل القراءات عن أساتذتها وهو فى الخامسة والعشرين من عمره (٦). فهذان عالمان سنّيان جليلان نزلا مصر لعهد العزيز والحاكم على الترتيب ووجدا فيها ما يكفل لهما الإقامة بها والعيش فيها.

وممن نزل مصر من كبار المحدثين النقاش الحافظ المتوفى سنة ٣٦٩ وأبو سعيد المالينى المتوفى سنة ٤١٢ وأبو نصر السجزى المتوفى سنة ٤٤٤ ونزلها فى العقد الثانى من القرن السادس أكبر حفاظ


(١) المغرب لابن سعيد (قسم القاهرة) ص ٣٦٦.
(٢) الخطط ٣/ ٣١.
(٣) النجوم الزاهرة ٤/ ٢٤٩.
(٤) حسن المحاضرة ١/ ٣١٤.
(٥) ابن خلكان ٥/ ٢٧٤.
(٦) معجم الأدباء ١٢/ ١٢٦ وكان أستاذ الدانى فى القراءات هو نفسه أستاذ مكى: عبد المنعم بن غلبون الحلبى نزيل مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>