الإسلامى العربى إلا بعثت إلى القاهرة والإسكندرية بشيوخها وبطلاب العلم فى هذه الحقب التى امتدت من الدولة الأيوبية سنة ٥٦٧ إلى نهاية عصر المماليك سنة ٩٢٢، بل ظلت من ذلك بقية فى أيام العثمانيين.
ونهضت مصر بدور مهم فى حماية العلوم، فقد رأت من واجبها أن تعنى بتدوين كل ما خلّفه السلف خوفا من ضياعه، وخاصة أمهات التراث العربى وأصوله، وانتهجت لذلك نهجا سديدا فى توثيق روايتها وأخذها عمن حرّروا صياغتها وضبطوها أدق ضبط، فهى لا تؤخذ من الصحف المكتوبة مباشرة بل تؤخذ سماعا عن الشيوخ الثقات ويرويها جيل عن جيل بمنتهى الدقة ولا يرويها إلا من شهد له شيخ بأنه جدير بروايتها، على نحو ما هو معروف فى نظام الإجازات.
ووضعت مصر لطلاب كل علم متونا، ووضعت عليها شروحا، وشرحت الشروح أحيانا، ونحن لا نقرؤها الآن حتى يروعنا أن علماءها كانوا فى هذه الشروح لا يتركون لعالم سالف منذ القرن الثانى للهجرة حتى زمنهم رأيا إلا دوّنوه، وبذلك تستحيل بعض الشروح وحواشيها إلى ما يشبه دوائر معارف فى العلم الذى تتناوله، إذ تعرض فيها آراء العلماء على اختلاف الأزمنة واختلاف البلدان العربية. وامتازت الحركة العلمية لعهد المماليك بكتابة دوائر معارف كبرى تجمع مواد فنون كثيرة، من ذلك كتاب نهاية الأرب للنويرى المتوفى سنة ٧٣٣ وهو يتناول علوم الفلك والجغرافية والتاريخ الطبيعى والحيوانات والزواحف والطيور والصيد والنباتات والثمار والأزهار والإنسان وعاداته وطرق الحكم ووظائف الدولة وشئون السياسة وتاريخ الدولة العربية من أقدم الأزمنة حتى زمن النويرى. ويشبه هذه الدائرة كتاب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى المتوفى سنة ٧٤٩ وهو فى جغرافية العالم العربى والعلوم الطبيعية والحيوانية والنباتية وتاريخ الدولة العربية وأعلامها فى الشعر والنثر على مر السنين. ومن كتب دوائر المعارف الأدبية كتاب «المستطرف فى كل فن مستظرف» لمحمد بن أحمد الأبشيهى (١) المتوفى سنة ٨٩٨ والكتاب موزع على ٤٨ بابا فى القرآن وفضله والعقل والعلم والأدب والحكم والأمثال والبيان والبلاغة وسياسة الملك والعدل والشرف والجود والبخل والشجاعة والعمل والكسب والحيوانات والحشرات والبحار والأنهار والجبال وعجائب المخلوقات وغير ذلك.
ولعل فى ذلك ما يصور خطأ الأحكام الجائرة التى صبّت على مصر وخاصة أيام المماليك.
إذ نعت المؤرخون للأدب العربى هذه الحقب المتطاولة بأنها كانت زمن انحطاط وركود فى جميع