للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمر بن عبد العزيز بنقل كتابه من السريانية إلى العربية. وظل بالإسكندرية نشاط فلسفى بعد أفلوطين يمثله فى القرن السادس للميلاد يحيى النحوى شارح أرسطو والفيلسوف المسيحى يوحنا الأبامى (١). ومما لا شك فيه أن القبطية شركت اليونانية لزمن الرومان فى الدراسات العلمية والفلسفية، وانفردت بمباحث فقهية فى الدراسات الدينية. ومرّ بنا أن السريانية-وكانت منتشرة قبل الفتح العربى بأديرة مصر-دخلتها مع بعض القساوسة والرهبان فى القرنين السادس والسابع للميلاد.

ويظلّ مصر وكل ما كان بها من تراث علمى وفلسفى لواء الإسلام، ومعروف أن الإسلام لم يحارب فى أى بلد فتحه ما به من علم وفلسفة، ومرّ بنا كذب الأسطورة القائلة بأن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية، فقد أحرقها الرومان قبل نزوله مصر بنحو ستة قرون، وإنما أطلنا فى بيان هذا التراث لندل على أنه ظل طويلا، أما ما يقال من أن عمر بن عبد العزيز (٩٩ - ١٠١ هـ‍) نقل نشاط علماء الإسكندرية إلى أنطاكية وحران (٢) فلعله من باب المبالغة، وكل ما يمكن أن نتصوره أنه ربما انتقل بعض أطبائها وعلمائها من الإسكندرية إلى أنطاكية ليقتربوا من بيزنطة كما يقول ما يرهوف. أما ما ذكره ابن أبى أصيبعة من انتقال التراث اليونانى ومعلميه إلى أنطاكية وحران فيعتوره الشك لسبب بسيط وهو أن المفروض أن ينقل عمر بن عبد العزيز أصحاب التراث اليونانى من الإسكندرية إلى عاصمته دمشق لا إلى أنطاكية ولعل ابن أبى أصيبعة بالغ فى هذا الرأى. ويشهد لما نقوله ما يذكره ابن النديم من أن خالد بن يزيد بن معاوية المتوفى سنة ٩٢ هـ‍ اهتم بعلم الكيمياء، أو كما يسميه الصنعة فأحضر إلى دمشق جماعة من فلاسفة اليونان ممن كانوا ينزلون بمصر وتفصحوا بالعربية وأمرهم بنقل الكتب فى الصنعة (الكيمياء) من اللسان اليونانى والقبطى إلى اللسان العربى (٣). فكان الطبيعى أن يصنع عمر بن عبد العزيز صنيعه فينقل علماء الإسكندرية إلى عاصمته لا إلى أنطاكية وخاصة أنه اهتم فعلا بنقل كتاب أهرون القس الإسكندرى فى الطب وكلف بذلك ما سرجويه البصرى كما هو معروف، ولو أنه نقل حقا علماء الإسكندرية إلى أنطاكية كما يقول ابن أبى أصيبعة لكلف أحدهم بنقله. وربما كان أكثر من هذا التصور منطقا أن يقال إن كثيرين من علماء


(١) انظر مقالة ما يرهوف فى كتاب التراث اليونانى ص ٣٧ وما بعدها.
(٢) راجع مقالة ما يرهوف السالفة وابن أبى أصيبعة ص ١٧١.
(٣) الفهرست ص ٣٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>