للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تنال إلا بعد مشقة. وأنكر ابن جبارة فى البيت أيضا كلمة «بشوك القنا» وقال الصفدى ردا عليه إنها استعارة حسنة، وأنشد بيتين للأرجانى وابن خفاجة شبها فيهما القنا بالشوك. وتوقف ابن جبارة بإزاء (١) بيت نظم ابن سناء الملك قصيدته فى مديح القاضى الفاضل، إذ يقول:

يقرى الضيوف شعاع تبر أحمر ... فشعاع ذاك التّبر نيران القرى

وحاول فى أول نقده أن يثبت سرقة ابن سناء الملك للبيت من بيت لابن عمار وآخر للمتنبى.

وقال الصفدى: إن هذا تعنت زائد إذ ليس للبيت علاقة بما قاله الشاعران. ويسترسل ابن جبارة فى نقده للبيت فيقول: قوله: «يقرى الضيوف شعاع تبر أحمر». التبر لا يكون إلا كذاك (أى أحمر) وإنما قصد المبالغة وشبه ذلك بشعاع النار التى توقد على اليفاع ليهتدى بها الحيران.

وتهتدى إلى مواضعها الضيفان، وقد جعله يدفع إلى الضيوف صلة الإنعام ويمنعهم من الطعام.

يقول الصفدى: وهذا تعنت لأن التبر منه ما يكون أصفر أو أخضر ومنه ما يكون أحمر وهو المضروب وإنما سماه ابن سناء الملك تبرا مجازا، ولولا ان هذا لازم لما قيل فى بعض المواطن الذهب الأحمر كما يقال الثلج الأبيض. وعلى هذا النحو لا يزال الصفدى يرد على ابن جبارة بعض تعنته وتحامله على ابن سناء الملك. ويفهم من كلام الصفدى أن ابن جبارة كان يستعرض بعض قصائد الشاعر، وما يزال يعلق على طائفة من أبياتها بتحامل شديد.

ولا شك فى أن النقد الأدبى المصرى فى هذا العصر خسر كثيرا بسقوط هذا الكتاب النقدى من يد الزمن. ومن المؤكد أننا لا نستطيع الحكم عليه بدقة من خلال ما نقله عنه الصفدى. وهو فعلا لم يتوسع فى نقله. ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن أهم كتاب ظهر بعد كتاب ابن جبارة هو كتاب خبز الشعير لابن نباتة المتوفى سنة ٧٦٨ وهو أهم شعراء مصر فى زمن المماليك، وكانت قد حدثت جفوة بينه وبين تلميذه الصفدى بسبب بحث كتبه عن سرقاته من الشعراء السابقين فألف هذا الكتاب موضحا فيه سرقات الصفدى لأشعاره ومعارضته لبعض قصائده. وفى مقدمته (٢) يقول:

إنه ليس للصفدى من جيد الأشعار لمعة إلا ومن لفظه مشكاتها. ومضى يذكر الأصل (٣) من أبياته أو الأصول، ثم الفرع أو الفروع من أبيات الصفدى. وفى صبح الأعشى دراسة (٤) نقدية


(١) الغيث المسجم ١/ ٢٦٤ وانظر ١/ ١٢٨، ٢٤٣.
(٢) الكتاب مفقود غير أن ابن حجة الحموى احتفظ فى خزانته (طبعة المطبعة الخيرية بالقاهرة) بمقدمة الكتاب ص ١٥.
(٣) فى الخزانة جملة كبيرة من هذا الكتاب انظر الصفحات ٢٨٥ - ٢٨٩.
(٤) انظر صبح الأعشى ٢/ ١٩٢ - ٣٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>